الحيــَّــة والبّيْــــرَقْ
لصلاح ابوشنب
وصَلَ موكبُ الجلوةِ الرمضانيةِ الى الساحةِ المرسيةِ كعادتهِ كل عام قبل دخول شهر رمضان بيوم واحدٍ ، أعدادٌ غفيرةٌ من الناسِ قد إحتشدت فى الساحةِ لمشاهدةِ الموكبِ الكبير الرائع .
أعدادٌ كبيرةٌ من الطرقِ الصوفيةِ المختلفةِ ، كلٌ مِنها له بيرقه الخاص ولونه المميز ، اكثرها تميُّزا كان موكب الطريقة الرفاعية الذى يرفع بيارق تحمل رسومات لحيات وأفاعى عديدة ، فى إشارة الى كرامات الشيخ احمد الرفاعى مؤسسُ الطريقةِ ، الذى اشتهر بالإمساك بالحيات السامة التى تـُؤرِّق مضاجعَ الناس.
يتقدم الموكبُ بيرقٌ مستطيلٌ عليه رسومات لحيات وأفاعى شتى ، أمامُ البيرقِ يسيرُ كبارُ رجالِ الطريقةِ الرفاعيةِ وعلى رأسهم خليفتـُها.
رجلٌ وقورٌ طاعنٌ فى السنِ ذو لحيةِ بيضاء ناعمة تقترب قليلا من صدره ، عمامة بيضاء كبيرة فوق رأسة وجِبَّةٌ سوداء وسكروته حريرية ذهبية اللون من تحتها تحوطها شملة خضراء فى الوسط ، على جانبيه يسيرُ كبارُ رجالِ الطريقةِ.
قصيرُ القامةِ مُكتنزُ الوجهِ .. تزدادُ نشوتـُه كلما ارتفعت إيقاعات الطبول ورنـَّات الصاجات النحاسية المستديرة ، يتمايل يمينـًا ويسارًا وهو يسيرُ بين صفوف الجموع الحاشدة ، كلما لاحظ وجود أى من المتفرجين مُكتـِّفُ اليدين ينزعجُ انزعاجاً شديدا ويُلزمَه بضرورةِ فكـِّها.
عندما يتأكد بأن أيقاعات الطبول قد انسجمت مع حركات تمايله الروحانى ويطمئن الى أنه ليس من بين المتفرجين أحدٌ مكتوف الأيدى عندها يرفعُ ثوبَه ويكشفُ عن بطنهِ ويتناولُ من كنانته سيخاً حديدياً لامعاً حاد النصل.
فجأة يطعن نفسه طعنة ينغمس على إثرها السيخ فى موضع سرته ، يستمر فى دفعه الى الداخل بكلتا يديه على مرأى الجموع المحتشدة والتى ألجمها المشهد العجيب.
يصلُ السيخُ الى نهايتهِ، لا يتبقى منه سوى حلقةٌ صغيرةٌ لا تكفى سُوى لإدخال الأصبع لسحبه الى الخارج.
لاخراج السيخ لابد له من جلوس القرفصاء فى وسط الشارع بين صفين من المشجعين عن يمين وشمال كلهم يرددون كلمة الله .. الله على نغمات الايقاع وقرعات الطبول.
يعتلى ظهرَهُ رجلٌ ممن يرافقونه، يبدأ بضرب ظهره بالحذاء وبكلتا قدمية بغير توقف حتى يندفع السيخ الى الخارج .. عندها يتمكن من القبض على الحلقة ويسحبه الى الخارج .
ينتشى بالفوز، يدور على المتفرجين واحدا تلو الآخر كاشفا بطنه ليريهم موضع الثقب الذى قد تركه السيخ ببطنه.
ثقف واضح للعيان ، التهب الجلد من حوله.. يتـْفـُلُ فيه المرة تلو الاخرى لإزالة الإحمرار.
تكررت هذه اللعبة العجيبة أكثر من مرة ، ظهر الضجر على وجه الشيخ ينم عن عدم الرضا عما يقوم به هذا التابع القصير.
أشار الى أحدهم أن يأمره بالتوقف، لان ذلك يسىء الى الطريقة ، وقال من كان لديه سرٌّ فليكتمه وألاَّ يجعله وسيلة للاستعراض والزهو.
لكن القصير لم يأبه ولم يرعوى، تابع لعبته التى جذبت انتباه الناس ونالت تصفيقهم الحاد وما أن استوت قرعات الطبول حتى سارع بإدخاله مرة أخرى حتى لم تتبقى منه سوى الحلقة وأبى الخروج.
صاح مرعوبا طالبا النجدة .. واصل رفيقـُه ضربَه فوقَ ظهرهِ بالأقدامِ والحذاءِ لمساعدتهِ فى دفعِ السيخِ الى الخارجِ دون جَدوى.
طلب اليه أن يضعَ أصْبِعَهُ داخل الحلقةِ لسحبهِ الى الخارج ، انكسرتْ الحلقةُ وتلاشى السيخ.
إنطرح فوق الأرض يُرَفْرفُ كالذبيحِ ، يرفـُسُ بقدميهِ زاحفـًا نحو موكب الشيخ مُتوسلا، جـَثـَى عند قدميه ، أشاح بوجهه عنه.
استعطف كبار الحاضرين الشيخ كى يعفو عنه ، فاشترط ألاَّ يعود لمثلها مرة أخرى.
****