قراءة فى أغنية...للشربينى الاقصرى.
(وفضلت أعيـش بــقلوب الناس
وكل عاشــــق قلبي معاه
شربوا الهوى وفاتوا لى الكاس
من غير نديم أشرب وياه).
لنترك السياسة والحديث فى السياسة فللسياسة
أهلها ورجالها ونحن نتمثل بموقف الامام محمد عبده (رحمه الله)
من السياسة وكرهه لها فقد روى عنه انه قال عن السياسة:
(أعوذ بالله من السياسةومن لفظ السياسة ومن معنى السياسة
ومن كل حرف يلفظ من كلمة السياسةومن كل خيال ببالي من
السياسة ومن كل أرض تُذكر فيها السياسةومن كل شخص يتكلّم
أو يتعلّم أو يُجَنّ أو يعقل في السياسةومن ساس ويسوس وسائس
ومسوس).
لنذهب اليوم إلى الفن والنغم فى الزمن الرومانسى الجميل.
وسيكون حديثنا عن أغنية رائعة من روائع الشعر الغنائى للشاعر
(احمد رامى) المللقب بشاعر الشباب .
ومن تلحين الموسيقارالعملاق (رياض السنباطى) .
والشدو الاصيل لسيدة الغناء العربى (أم كلثوم ).
(ورامى) و(السنباطى) و(أم كلثوم) هم أضلاع المثلث
الذهبى للفن الراقى كلمات وألحان وأداء.
أما أغنية اليوم فهى أغنية (ياللى كان يشجيك انينى)
ولهذه الأغنية حكاية كما هى معظم أغانى رامى التى
تجمع أروع وأجمل حكايات العشق العذرى .
ويقال أن (أم كلثوم) عرفت مدى حب (رامى) لها فحرمته من
هذا الحب كى يشقى ويتعذب بحبها فيكتب لها أروع وأجمل
القصائد الغنائية.
كانت (أم كلثوم) سيدة العشق وأم الشوق والهوى إلا أنها كانت
مع (أحمد رامي) تتغابى في العشق وتبتعد عنه كي يستمر هو
في الشدو.
هكذا كان (أحمد رامي) يغرد منادياً على (أم كلثوم)لكنها كانت
أذكى من أن تحضر إليه فكانت هي لا تمنحه متعة التآلف
والتفاهم والمشاركة إلا بقدر ضئيل جداً، فقط ليبقى يعيش
على الأمل ويبدع فى الكتابة.
من هنا فقد كانت عبارات (رامي) منبعاً ثرياً من منابع الوله
والولع والهوى وكانت كلماته بمنزلة كنز ضخم نهلت منه
كوكب الشرق (أم كلثوم) الكثير من القصائد العظيمة التي شدَت
بها بصوتها القوي المعبر.
حوالى مائة وسبع وثلاثون أغنية كتبها (أحمد رامي) لكوكب
الشرق ولم يتقاض عنها مليماً واحداً لأن الأغنية عنده قطعة
من نفسه وروحه وخياله يهذّب معانيها وألفاظها فلم يشأ أن
يسري عليها نظام العرض والطلب.
قالت له (أم كلثوم)ذات مرة:
أنت مجنون يا(رامى) لأنك لا تأخذ ثمن أغانيك.
فقال لها(رامى): (نعم ياست الكل أنا مجنون بُحبِك والمجانين
لا يتقاضون ثمن جنونهم هل سمعتِ أن قيساً قد أخذ من ليلى
ثمن أشعاره التي تغنّى بها؟).
كانت(أم كلثوم) تحب(رامى) حب المصلحة فهو شاعر لا يباريه
أحد في كلماته وقد اعترفت (أم كلثوم) وقالت:
أحب في (رامي) الشاعر وليس الرجل.
وجرحه ذلك فكتب لها أغنيتنا حديث اليوم وهى أغنية :
(ياللي كان يشجيك أنيني) وذلك عام 1949 م
يقول(رامى)واللوعة تملأ فؤاده:
ياللي كان يشجيك أنيني كل ماأشكي لك أسايَ
كان مناي يطول حنيني للبكا وانــــت مـــعايَ
حرمتني من نـــار حبك وأنا حرمتك من دمعي
ياما شكيت وارتاح قلبك أيام ماكنت أبكي وانعي
عـــزة جـــمـــالك فــين من غير ذليل يهواك
وتجيب خضوعي منين ولــــوعتى في هواك
فضلت احافظ على عهدي واسقي الوداد دمع عينيَّ
لما الــــزمــان ضيع ودي وطـــول الــبعــد عـــليَّ
صبحت أحب الحب من بعد عشق الحبيب
اهني كـــــل قريب واواســــي كل غريب
اضحك مع الفرحان وابكي مـع الباكيين
وأبات وانــا حيران أضحك وابكي لمين
وفضلت أعيـش بــقلوب الناس وكل عاشــــق قلبي معاه
شربوا الهوى وفاتوا لى الكاس من غير نديم أشرب وياه
ياللي بكايَ شــــجاك وســـــمعت لحن الغزل
من طــول انيني
ياما بكيت من جفاك وضحك لى طيف الأمل
من بين جفوني
لما نسيني رضاك والبعد طول جفاك
عطف حالي عــلى قلبي وعـــزّاني في تــــلويعي
صبحت أبكي على حبي وتبكي انت على دموعي
***
وهكذا فقد بقيت (أم كلثوم) تماطل (أحمد رامي) وتحاوره وتداوره
تقبل عليه ثم تدبر وتظهر أمامه ثم تختفى .
وبقي (أحمد رامي) يغرد محاولاً التقرب والتودد حتى اللحظة
الأخيرة من حياة ملهمته (أم كلثوم) التي فجعته بحياتها وفجعته
بموتها.
فكانت معظم روائعه الشعرية شكوى وحنيناً وألماً.
ما كان أجملها من حياة عاطفية مملوءة بالشوق والحب والحنان.
وما كان أجمله من زمن جميل عشنا فيه نستمتع بروائعه الفنية
وقصصه الأدبية وحكاياته الشعبية التى طالما (أشجتنا بأنينها).
الشربينى الاقصرى.