مكايـــــــــد
لصلاح ابوشنب
مكايد مهران يافطة كبيرة مُعلقة فوق متجر كتبت بالعربية والانجليزية . أبيض البشرة .. أشقر الشعر .. ملون العينين ، تلقى تعليمه فى مدارس الليسيه ، اتقن الفرنسية واكتسب بجانبها أكثر من لغة حية بسبب اختلاطه بالسياح الاجانب ودراسته فى شبابه فى بعض المعاهد اللغوية . كانت هوايته جمع التحف والتماثيل المقلدة ثم ما لبث ان تخصص فى بيعها بعد أن استطاع أن يستأجر محلا فى اكبر شارع تجارى فى المدينة .
انفرد ببيع التماثيل الفرعونية والقلادات وصور المعالم الأثرية وتماثيل السيد المسيح والسيدة العذراء.
كان متجره يواجه الكتدرائية ، انحصر زبائنه فيما بين السياح الاجانب وبقايا اليونانيين والايطاليين ورواد قداس الاحد ، كاد أن ينسى لغته لولا البقية الباقية ممن حوله كجرسون البوفيه الصغير المجاور والذى يأتى له بفنجان القهوة بين حين وآخر، وعثمان بواب الوكالة التى بأسفلها المتجر ، وعم صالح بائع العرقسوس الذى كانت استراحته فى العصرية أمام باب المتجر بعد أن ينفح المسيو مكايد كوب من العرقسوس الاصلى المثلج ينعش قلبه الذى جاوز السبعين ، فيمتن له ويعطيه ثمنه مع البقشيش.
كان يقضى وقتا طويلا فى الحديث مع صديقه القديم ينى باسيلى العجوز الذى يعرفه من أيام الشباب فيقول له باسيلى : اقطع ذراعى من هنا ، ويشير الى كتفه ، لو حد صدق أنك مصرى !!
يرد مكايد باسما وانا اقطع ذراعيك الاثنين لو حد صدق إنك يونانى.
ينظر اليه ينى ويقول : أنا مش حاعمل شمطة معاك النهاردة .
- اشمعنى النهاردة يا خواجه ينى ؟
- هو انت مقرتش الإيبودروموس ؟
- الولد بتاع الجرايد مجبهاليش النهاردة .
- أصل الحصان بتاعى كسب الرهان .
- هايل .. يعنى المشروب بتاع النهاردة على حسابك ؟
- طبعا طبعا وكمان فيه واحد ترتة طازه من معمل الخواجة دليس ، أنا وصيت عليه وأنا جايلك .
- أيه الكرم ده كله .. خلى كريستينا تعملك شمطة الليلة.
- كريستينا مش ممكن يعملى شمطة خصوصا النهاردة .
- ليه بقى يا بطل ؟
- عشان هى مبسوطة خالص، علشان الحصان بتاعها كسب هو كمان.
- الله هى عندها كام حصان ؟ مش كفايةعليها حصان واحد .؟
- انت خلبوص يا مكايد .. تقصد إن أنا حصان ؟
- يا سيدى متزعلش قوى كده .. انت حصان وهى حصان !!
- سباق الخيل ده غية مش قادرين نستغنى عنها أبدا!
- غية مكسباكم مرة ومفلساكم طول الشهر.!!
- انت كده يا مكايد دائماً تعكنن عليا.
دخلت سارة التى تعودت زيارته كل أحد حاملة بين يديها صندوق التبرعات مُلقية عليه تحية الصباح بالإيطالية :
- بنجورنو مسيو مكايد .. نهارك سعيد ..
- سعيدة مبارك سنيوريتا سارة ميل جراتسى .، ويسارع بفتح ماكينة النقود العتيقة التى علاها الصدأ ويُخرج حفنة قروش يدسها فى ثقف الصندوق فتنفرج أساريرها .
حين تقدم به العمر وأصبح بطىء الحركة قصير الخطوة ، اشترى سجادة صلاة وراح يصلى مستترا خلف ساتر خشبى حجبه عن أعين القادمين.
فى صباح أحد أيام الأحد جاءت سارة كعادتها بصندوقها فوجدت المتجر مغلقا.. سألت عن مسيو مكايد .
أخبرها بائع الصحف والمجلات الذى كان يفترش الأرض بجوار المتجر بأنه توفى فجر اليوم.
انزعجت سارة وقالت فى أسى : أو دِيُوسْ م
مِيسْريكورْدِيَا ، ثم التفت الى بائع الصحف وقالت فى ركاكة عربية ، ربنا بيحبه كتير عشان أخده عنده فى يوم الأحد، انا لازم أكلم القسيس بتاعنا بسرعة علشان يعمل واحد قداس كبير للجنازة بتاعه لما تيجى عندنا.
****