صلاح ابوشنب عضو محترف
موبايل : -- عدد المساهمات : 52 نقاط : 88 العمر : 78 بلد الاقامة : الاسكندرية
| موضوع: نبذة مختصرة عن الشيخ أبى الحسن الشاذلى - بقلم صلاح ابوشنب 06/01/13, 09:00 pm | |
| نبذة مختصرة عن الشيخ ابى الحسن الشاذلى
بقلم صلاح ابوشنب الشيخ ابى الحسن الشاذلى رضى الله عنه هو من اقطاب الصوفية الكبار جاء الى مصر من المغرب الاقصى بعد أن وشى به قاضى قضاتها الى السلطان ، وكان السلطان قد طلب من العلماء والمشايخ عقد مناظرة للشيخ للوقوف على حقيقة أمره فى العلوم الشرعية وما ادعى به قاضى قضاة المغرب عند السلطان. وقف السلطان سرا خلف ستار يستمعُ الى ما يدور من حوار بين الشيخ وبين مجموعة العلماء. لكن الشيخ افحم العلماء بفيوض من العلوم الشرعية والربانية التى أسكتتهم وأدهشت السطان ، فتركه لحال سبيله واستسمحه ، لكن قاضى القضاة لم يتوقف عن النكاية والوشاية بالشيخ فتوجه مع مريديه الى تونس وبقى فيها فترة حتى لحقه فيها دخان وشاية قاضى قضاة المغرب مرة أخرى. كانت بلدة شاذلة فى تونس هى محط الشيخ بعد المغرب ، وكانت مغارة بأعلى جبل يسمى زغفوان هى مسكنه وخلوته .
لقائه بالشيخ ابى العباس المرسى: ولد الشيخ أبو العباس المرسى بالأندلس (Andalucía)وهى إقليم كبير يقع جنوب شبه جزيرة إيبريا – إسبانيا اليوم – فى مدينة تسمى (مـُورسيا ) Murcía، ثم انتقل الى مدينة ( فالنسيا ) Valencía، لكى يتلقى العلوم الشرعية على مشاهيرعلمائها . لما انتهت دراسته شرع فى أدآء فريضة الحج مع شقيقه الأكبر، فركبا سفينة متوجهين بها الى شمال إفريقيا ، وحدث أن هبت عاصفة أغرقت السفينة ، نجى اللهُ أبا العباس وشقيقه الذى كان يعمل تاجرا ، بعد أن استطاعا أن يمتطيا قطعة من أخشاب السفينة المتناثرة فوق الماء أوصلتهما الى البر. فوجدا أنهما على شاطىء تونس . وهكذا قدر الله الوجه بمشيئته إراته العليا. كانت كل متعلقاتهما قد غرقت، ولم يجدا ما يستكملان به رحلة الحج فاضطرا للبقاء فى تونس . توجه شقيقه الى البحث عن عمل فى التجارة، بينما انطلق أبو العباس يبحث عن قطب العصر حتى يكمل على يديه المسيرة فى الطريق الى الله . وكان الشيخ الذى تلقى أبو العباس على يديه العلوم من الصالحين قد أخبره بأنه مـُقدَّرٌ له أن يلتقى بقطب العصر ويصاحبه ويأخذ منه العلم الربانى، وطلب اليه أن يبحث عن هذا القطب حتى يجده. بقى فى تونس فترة يتقلب بين مشائخها وكلما قيل له عن شيخ بأنه هو قطب العصر، سارع اليه حتى قيل له أنت تبحث عن قطب العصر هنا ، بينما قطب العصر ورائك فى شاذُله . ارجع اليها فسوف تجده هناك. توجه الى شاذلة وبقى فيها حتى صلى الفجر فى أحد مساجدها الذى كان قريبا من الجبل ، ثم بعد الصلاة شرع فى صعود الجبل. عندما بلغ القمة أبصر الشيخ واقفا يتلو القرءان ، وكان يتلو سورة الحشر ، فلما بلغ قوله تعالى: ( لو أنزلنا هذا القرءان على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ) رأى الجبل يتمايل يمينا ويسارا ، وكانت تلك أول إشارة لاستمساك ابى العباس بالشيخ . القى على الشيخ السلام فبادره الشيخ بقوله : " أهلا بأبى العباس ، لقد انتظرتك طويلا" . وكانت تلك هى الإشارة الثانية . ظل الشيخ ابو العباس فى صحبة الشيخ ابى الحسن الشاذلى ينهل من علومه الفياضة حتى عزم الشيخ على الرحيل الى مصر بعد أن بدأ والى تونس فى مضايقته هو واتباعه بإيعاز من قاضى قضاة المغرب. وصل الشيخ واتباعه الى مصر ودخلوا القاهرة فوجدوا السلطات المصرية فى انتظارهم ، وقبضوا عليهم وأودعوهم سجن القلعة . وكان سبب ذلك أن قاضى قضاة المغرب ارسل الى والى مصر يحذره من أبى الحسن الشاذلى وأتباعه ، وكتب له بأنهم جماعة خارجة قلـَّبت على السلطان الامور فى المغرب ويُخشى أن تقلـِّب الامور على والى مصر . لذلك سارع والى مصر باصدار أوامره بالقبض على الشيخ واتباعه . وقبل أن يصدر الحكم على الشيخ أُعدت له مناظرة حضر فيها لفيف من علماء مصر ومشائخها ، وبدا أن الوالى كان متحاملا على الشيخ بسبب رسالة قاضى قضاة المغرب فطلب فى نهاية الجلسة أن يسجنوهم، فغضب الشيخ وأشار بيده نحو الوالى فتجمدت أوصاله وصرخ فى ساعتها. فلما رأى كرامة الشيخ وقعت عليه استسمحه وأذن له وأتباعه بالبقاء فى مصر فى أى مكان يشاؤون . اتخذ الشيخ ابو الحسن من الاسكندرية مقرا له فى حى يسمى حى كوم الدكة، بينما اتخذ الشيخ أبو العباس من القاهرة مقرا لدعوته وتعليم الناس أمور دينهم . ومن كرامات الشيخ أبى العباس أنه كان كل ليلة يحضر من القاهرة الى الاسكندرية لسماع الدرس اليومى فى حلقة شيخه أبى الحسن الشاذلى فى مسجده الذى كان ملحقا ببيته فى حى كوم الدكة. ويعود بعد الدرس الى القاهرة، وكان المريدون يعرفون بعضهم بعضا وفجأة يجدون أنفسهم وقد ازدادوا واحداً مُلثما. فلما استفسروا من الشيخ عن هذا الغريب الذى يغشاهم كل ليلة فجأة، أجابهم بأنه أبو العباس يحرص على الحضور كل ليلة لسماع الدرس. كان فى الاسكندرية عالم من العلماء الكبار يُدعى بن عطاء الله السكندرى وهو من أهل العلوم الشرعية كان قد انكر على ابى العباس كراماته، وحرّض مريدى الاسكندرية ضده، لكنه لما أيقن بكرامات الشيخ التى حدثت معه شخصياً اعتذر اليه وطلب السماح وأصبح من مريديه المقربين . ومن العجيب أن الذى كتب مناقب الشيخ أبى العباس هو ابن عطاء الله السكندرى، بعد أن صيَّره الله ليصبح من أشد المعجبين والمدافعين عن الشيخ أبى العباس، وقد كتب كتابه الشهير ( لطائف المنن) الذى يُعدّْ المصدر الرئيسى لمناقب الشيخ ابى العباس المرسى وشيخه الحسن بن على الشاذلى . ومن اقوال الشيخ ابى الحسن الشاذلى عن معرفة الشيخ أبى العباس المرسى بالله تبارك وتعالى وقربه منه قوله : " إن أبا العباس المرسى منذ أن عرف الله لم يحجب ولو طلب الحجاب فلن يجده". وقول الشيخ ابى العباس المرسى عن نفسه :" إن مثلى كمثل رجل أراد أن يصلى فذهب كى يتوضأ فمكث فى وضوئه أربعين عاما. وكان يشير بذلك الى انه لم يجلس لتعليم الناس أمور دينهم الا بعد أن أيقن بأنه حوى من العلوم ما يمكنه من خوض هذا المضمار على بينة . ذات مرة دخل الشيخ ابو العباس على استاذه الشيخ ابى الحسن الشاذلى وكان الشاذلى رحمه الله قد كـُفَّ بصره ، فقال : أدخل يا أبا العباس ، فتعجب أبو العباس من بصيرة الشيخ ، لكن الشيخ لم يترك ابا العباس فى حيرته وقال : " والله الذى لا إله الا هو، لقد كُفَّ بصرى على بصيرتى فصرت كلى مبصراً ، والله يا أبا العباس ما تركت فى زمان من بعدى خير منك ". وكانت هذه الاخيرة إشارة الى استخلاف أبا العباس الطريق من بعده. وعندما دنى أجل الشيخ أبا الحسن الشاذلى قال لخادمه الشيخ أبا العزائم ماضى المدفون بشارع العطارين بالاسكندرية يا أبا العزائم إنَّا سوف نتوجه الى الحج هذا العام فلا تنسى أن تـُحضر معك ما يلزم الموتى . فجزع الشيخ أبو العزائم وقال: لما ذاك ؟ فقال الشيخ : فى حُمَيْثرة سوف ترى !! كانت قوافل الحجيج تتوجه الى ميناء القصير على البحر الاحمر لركوب السفن المتجهة الى ينبع بالمملكة العربية السعودية ، فلما وصلوا الى هناك ضربوا خيامهم فى بلدة تسمى حميثرة ، هناك طلب الشيخ الماء للوضوء فقدمه اليه الشيخ ابو العزائم ، وشرع الشيخ فى الصلاة ، وأثناء سجوده فاضت روحه رضى الله عنه ، فدفن فوق الجبل هناك . بعد انتقال الشيخ الى جوار ربه خلفه الشيخ أبو العباس المرسى وانتقل الشيخ المرسى الى الاسكندرية واتخذ من منطقة الميناء الشرقى سكنا له فى نفس المكان الذى فيه مقامه الآن وألحق بالبيت مسجدا للتدريس. وللشيخ ابى العباس كرامات كثيرة سوف أذكر بعضها فى مقال لاحق إن شاء الله . ومن الكتب الهامة التى يمكن الاطلاع عليها لمعرفة سيرة الشيخين الجليلين كتاب لطائف المِنـَن للشيخ ابن عطاء الله السكندرى وكتاب المفاخر العلية فى المناقب الشاذلية ، وكتاب العالم الصوفى الجليل عبد الحليم محمود شيخ الأزهر السابق ، والذى تحول فى سبعينيات القرن الفائت الى مسلسل تليفزيون شيق قام فيه بدور الشيخ أبى العباس الممثل المصرى عزت العلاليلى . ومن الكرامات التى شاهدتها بأم عينى ، أننا عندما كنا نجلس لمشاهدة أحداث هذا المسلسل ، وتعرض مشاهد الحضرة اليومية التى كان يعقدها الشيخ ( فى المسلسل طبعا) وكان أحد الممثلين يحمل المبخرة ويطوف على المريدين الجالسين حول الشيخ ، وأول ما ينطلق دخان المبخرة داخل شاشة التليفزيون نجد أن الغرفة التى نجتمع فيها لمشاهدة المسلسل قد عُبـِّقت عن آخرها ولا أكون مبالغاً لو قلت أن الشقة بكاملها كانت تعبق برائحة بخور ذكية لم نشم لها مثيل تجعل المكان فى غاية الروحانية والإنشراح وتدفعنا جميعا لرفع أصواتنا حتى من كان منا من الجيران لا يصلى ولا يعتقد مُطلقا فى شىء إسمه كرامات، يصيحُ معنا بأعلى صوته ) الله أكبر) شهدنا لك يا شيخ أبا العباس. وظل هذا المسلسل على مدار ثلاثين حلقة عبر الشهر بكامله، وكلما انطلق بخور المبخر فجت روائحه علينا خارجة من الشاشة الزجاجية للتليفزيون ، فنصيح بالتكبير ، وإنى أقسم بالله على ذلك. وكان الشيخ عبد الجليل العسكرى إمام ومدير مسجد أبى العباس المرسى فى سبعينيات القرن الفائت يسكن فى عمارة المتاجر المواجهة لمنزلنا والمطلة على شاطىء الميناء الشرقى مباشرة والتى لا تبعد كثيرا عن المسجد ، كثيرا ما كان يقول لى أنه شخصيا رأى من كرامات الشيخ الكثير، لكنه كان يتحاشى أن يذكرها بالتفصيل. وكان رحمه الله قبل أن ينزل من المنبر أثناء خطبة الجمعة لا يغفل الثناء على الشيخ ومناقبه وكراماته ، ويسلم عليه قبل نزوله ويدعو له بالرحمة والمغفرة والجنة. وكان الناس فى حى الميناء الشرقى أثناء حياة الشيخ أبى العباس يتناقلون بعض من كرامات الشيخ محمد مكين الدين الأسمر وهو من تلاميذ الشيخ المرسى والذى لايبعد مقامه عن مقام الشيخ أبى العباس كثيراً ، كانوا يقولون إن الشيخ مكين الدين فى أصبعه عرقٌ ينبض ويتحرك إن قُدِّم إليه طعاما مسموما. وأراد بعضهم أن يختبرالشيخ فقدم له طعاما مسموما للشيخ أبى العباس، فلم يقربه وإنما قال لمن قدموا له الطعام : ( إن كان فى يد مكين عرقا يتحرك إن قـُدم اليه طعاما مسموما ففى يدى ستون عرقاً تتحرك حين يقدمُ لى طعاما مسموما، فاستحوا وانصرفوا بعد اعتذارهم. والساحة المرسية المباركة التى قضيت فيها ردها من صباى وشبابى ولا سيما داخل مسجد سيدى الشيخ ابى العباس المرسى مليئة بكبار علماء الصوفية وتلامذة الشيخ أبى العباس وأولهم الشيخ محمد ياقوت الحبشى والمسمى بياقوت العرشى ، لانه قيل بأنه كان المؤذن للصلاة ولم يكن يرفع الاذان حتى يُسْمِعَهُ اللهُ اذانَ الملائكة فى علياء السموات . ولذلك لقب بياقوت العرشى ، وهو من الحبشة ولقصة حضورة وتتلمذه على الشيخ قصة شيقة مليئة بالكرامات سوف اكتبها فى وقت لاحق إن شاء الله . ومن تلامذته الموجودة قبورهم بالساحة المرسية : الشيخ الإمام محمد الأباصيرى الذى يطل جامعه على البحر مباشرة . وهو صاحب البردة الشهيرة التى بدأها بقوله :" أمن تذكر جيران بذى سلم مزجت دمعا جرى من مقلة بدم .. أم هبت الريح من تلقاء كاظمة .. وأومض البرق فى الظلماء من إضم .. فما لعينيك إن قلت اكففا همتا .. وما لقلبك إن قلت استفق يهم .. أيحسب الصُّب أن الحب منكتم .. ما بين منسجم منه ومضطرم.. لولا الهوى لم تُرِق دمعا على طلل ولا أرقت لذكر البان والعلم . وقيل انه لما تعذر عليه استكمال القصيدة على القافية التى أرادها لها رأى رسول الله فى المنام فأكملها له . ومنهم الشيخ ابن عطاء الله السكندرى الذى سبق ذكرته والشيخ أبى العزائم ماضى ، والشيخ نصر الدين والشيخ على التمراز والاثنى عشرة شيخا المدفونين فى مكان واحد غربى مقام الشيخ ابى العباس رحمة الله ورضوانه عليهم جميعا، ونفعنا ببركاتهم وعلومهم وصبرهم وجلدهم الذى نـَدُرأن يوجد مثله فى أيامنا هذه الا عند من رحم ربى. ****[center][img][/img] | |
|