أدب وفن المدائح النبوية
يعتبر فن وأدب المدائح النبويةوالانشاد الديني رافدًا من روافد الشعر العربي الموزون المقفى بشقيه الفصيح والدارج ، فقد بدأ أدب المديح والانشاد الديني منذ عهد الرسول{صلى الله عليه وسلم}
حيث بداءه حسان بن ثابت رضي الله عنه والذي يعتبر أول شاعر مدح الرسول وأول من نظم الشعر الديني في الاسلام،ولعل أجمل ماورد من نظمه في مدح الرسول قوله :
وأجمل منك لم ترى قط عيني وأحسن منك لم تلد النساء
خلقت مبراءاً من كــــل عيب كأنك قد خلقت كما تشـــاء
ثم جاء من بعده كعب بن زهير ،وهو من بيت كان فيه أشعر شعراء العرب على الاطلاق كيف لا ووالده زهير بن ابي سلمى الشاعر المعروف.
لقد ظل كعب يهجو الرسول ،حتى أهدر الرسول دمه ، فكتب اليه أخوه بجير يقول له ان الرسول قتل رجالاً من مكة ممن كانوا يهجونه فلإن كانت لك في نفسك حاجة فطر الى رسول الله فإنه لايقتل من جاءه تائباً ،فما أن قرأ كتاب أخيه حتى اتى المدينه تائباً وأسلم وحُسن اسلامه ونظم لاميته الشهيرة (بانت سعاد)والتي فيها يعتذر الى الرسول صلىالله عليه وسلم عن مابدر منه والتي يقول في مطلعها:
بانت سعاد وقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفُــُد مكبــــول
نبئت ان رسول الله او عد نــي والوعد عند الله مأمــــــــول
مهلا هداك الذي اعطاك القران نافلة فيها مواعيظ وتفصيل
لا تأخذني بأقوال الوشاة فلم اذنب وقد كثرت في الاقاويل
وقلت خلو سبيلي لا اباً لكم فكل ما قدر الرحمن مفعول
كل ابن انثى وان طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
الى ان يقول :
ان الرسول لنور يستضاء به مُهند من سيوف الله مسلول
كما مدح الانصار والمهاجرين وتدارك ما كان قد فرط منه في شأنهم ثم ياتي من بعده البصيري وبردته الشهيرة والتي مطلعها.
أمن تذكر جيران بذي سلم مزجت دمعاً جرى من مُقلة بدم
جأت لدعوتة الاشجارساجدة تمشي إليه على ساق بلا قدم
الأن يقول:
لاينكر الوحي من رؤياه أن له قلباً اذا نامت العينان لم ينم
وقد صاغ على نهجها الشاعر احمد شوقي قصيدته العصماء والتي سميت نهج البردة نورد بعضاً من ابياتها :
زانتك في الخلق العظيم شمائل يغري بهن ويولع الكُرماء
اما الجمال فأنت شمس سمائه وملاحة الصديق منك إباء
والحسن من كرم الوجوه وخيره ما اوتي الفقراء والزعماء
واذا سخوت بلغت بالجود المدى وفعلت ما لم تفعل الانواء
واذا رحمت فانت ام او اب هذان في الدنيا هم الرحماء
ثم يأتي الشيخ عبدالحيم البرعي اليماني الذي ألف ديوان في مدح وتعظيم الذات الالهية ومدح الرسول (ص) ولعل من اشهر قصائده (ياراحلين الى منى بغيابي ، هيجتموا يوم الرحيل فؤادي ، سرتم وسار دليلكم ياوحشتي ، الشوق اهلكني وصوت الحادي) .
واخرون ُكثر لم اقف عليهم .
اما في السودان فلم تتوفر المراجع الكافية لتحقيق بداية نظم المديح ولكن وعلى الارجح ان يكون ذلك في عهد الفونج ، فقد ُذكر ان شيخ النقر ود الشاعر وهو من منطقة قوز بدر بالقرب من مدينة شندي وهي المنطقة التي ينسب اليها البادراب نسبة الى جدهم بدر ود سليمان ود العوضية الذي ُذكر بأنه شيخ المُداح السودانيين ، ثم يأتي من بعده الشيخ ابو كساوي، والشيخ القوني، والشيخ ود تميم والشيخ حياتي، والشيخ ود سعد، والشيخ ود مصطفى من بربر، والشيخ ود ابوشريعة ،والشيخ ود حليب، والشيخ حاج العاقب والشيخ، حاج الماحي وغيرهم .
ولعل الاخير قد نال شهرة واسعة لسهولة لفظه وسلاسة عبارته فهو يروض قوافيه ويتخير معانيها بما يتوافق وهوى النفس فيسلك في ذلك مسلك القصص السردي التاريخي في خليط متجانس بين العامية السودانية والعربية الفصحى ، كما انه يستخدم العديد من اللهجات المحلية لبعض القبائل السودانية المختلفة كلهجة ( الدناقلة ، والبجه والهوسه) وغيرهم من القبائل السودانية المختلفة .
وتتجلى معرفته الجغرافية بذكر العديد من المناطق داخل وخارج السودان فقد ذكر الاستاذ / عمر الحسين في ترجمته وتحقيقة لديوان حاج الماحي ان معظم قصائده تمتاز بفن المربع أو المربوع وهو ما يفتتح به المُداح مديحهم وهم جلوس ذلك تهيئة للنفس قبل الانتقال بها الى نغمات اخرى على ايقاع الطار ، كما يمتلك حاج الماحي ثقافة دينية واسعة وعلم تاريخي جيد بالسيرة النبوية الشريفة واسلوب بسيط ونلحظ ذلك في كثير من شعره الذي يجعلك تعايش الواقع والاحداث وتستلهم منها المواعظ والعبر ويشتمل مديح حاج الماحي لذكر شمائله وصفاته وأخلاقه ، ثم يعرج على غزواته وفتوحاتهبما يتطابق والسيرة النبوية العطرة برغم اميته في اسلوب السهل الممتنع مستوحياً مفرداته من القرأن الكريم،والسيرة النبوية فهو يمتاز بثقافة دينية عالية استنبطها من ثقافة البءة والمنطقة الت عاش فيها مستصحباً ماكان مايدورآنذاك في مناطق الشايقة من إرث ديني وقدقيل أنه استفاد من السماع والتلقين من شيوخ المنطقة ،ويعتبر حاج الماحي رائد فن المديح حتى الآن بكثرة مايتناقلة أحفادة جيل عن جيل بذات الطابع القديم المميز.
ولعل المستمع الى قصيدته (القبة البلوح قنديلا ) يستشف كيفية استخدامه لمفردات وردة في السيرة النبوية بالنص الصريح حيث يقول: جزع النخلة حين له أشارا جازت وميحت بيثمارا
باض فوقو الحمام في الغار نسج العنكبوت ليه ستارا
قصوا واتمحنوا الكفاراصدت لي قفاها حيارا
أم عن اقتباسه من بعض آيات القران الكريم نورد بعض الابيات التالية.، من قصيدتة الرسول نور البلد حيثيقول:
بسم الله ياحي ياصمد ياواحداً نافي الولد
جلّ الغني الواحد الاحد لا أب لاام لاله ُجد
ولعلة قد استوحى مفرداتها من سورة الاخلاص
وفي مدحة اخرى يقول:
أتاة حبريل من العلايا بكامل الرتبة في الولاية
شقا صدره ملاه غاية من العلوم آية بعدآية
وهنالك العديد من مدارس فن المديح النبوي والإنشاد الدينياذا جازت التسمية للكثير من الطرق الصوفية بطرقها المختلفة لنجد الختمية ، والقادرية ،والعركية ، والسمانية، والادريسية، والبرهانية ، والرهامية، وغيرها وكل تختلف في طريقة أدائها للمديح والذكر .
ولعل من أشهر شعراء المديح النبوي في زماننا هذا الشيخ عبد الرحيم محمد وقيع الله المشهور بالبرعييرحمه اللهوالذ ارتقى بفن الديح من المديح الوصفي إلى الانشاد التربوي الإرشادي من خلال الكلمة المموسقة التي تعالج الكثير من القضايا والعديد من الظواهر الاجتماعية السلبة ورسخت مفهوم التواصل والترابط الاسري في المجتمعولو لم يقل غير قصيدته بوريك طبك لكفاه ذلك جهداً لما ورد فيها من وصايا دينية وحكم بلاغية وترغيب وترهيب ، استمع اليه أخي الكريم وهويقول:
بوريك طبك أحسن لمن عاداك ومن يحبك وأذكر إلهك يوت
لاتنسى ربك وأكثر لذكر الموت تلقاه طبك
بل انسى إحسانك فيمن يحبك وتناسى يوت لإسأة من يسبكوأذكر الهك يوت ...قمة ومنتهى التسامح الى ان يقول:
لاتفشى سرك لي كافة المخلوق لو يبقى سرك
لاحظ الجناس بين سرك الأولى وسرك الثانية.
اخشى الذي يعلم جهرك وسرك والانبياء السادة حالهم يسرك
واذكر الهك يوت.
بحرك وبرك لازم جميع القوم قبل قدم امك وبه تبرك بر والديك لكي ابنك يبرك،الان يقول :
احلبلو درك والدك وهب للام ذهبك ودرك خالف هوى نفسك حسدك وضرك أحذر عقوق والديك في الحين يضرك.
الزم محلك وتحلى بالاداب حرمك وحلك وأصبر لأمر الله حين يمتحنلكمن رفقة الاسواء والشر يحلك واذكر الهك يوت.
وقد كان المداح في السابق يعتبرون رسل ثقافة ونسر وإعلام لنشر المديح النبوي وذلك لكثرة تجوالهم في الريف والحضر حيث كان ومازال لهم عشاقهم ومحبيهم ومريدوهم الذين يستقبلونهم بالتجلة والاحترام ، يكرمون وفادتهم ويحسنون ضيافتهم ،اما الان وبفضل تقنية العصر الحديث وتيسر أدوات التسجيل المرئية والمسموعة بات ميسوراً لكل عشاق فن وأدب المديح والانشاد الديني الاستمتاع به به خاصة بعد تعدد القنوات الفضائية والتي تخصص بعضها في بث كل أنواع المديح بعد ان دخلت الالات الموسيقية التي أفسدة نكهة المديح الذي اصبح ليس فيه فرق بين المديح والغناء الى من حيث الكلمات ليتراجع دور المديح بالطار والمداح السواح....