دعاء حملة العرش ومن حوله فهو ما جاء في كتاب الله ( الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ً فاغفر للذين آمنوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ، ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تق السيئات فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم ) .
يخبر الله سبحانه وتعالى عن كمال لطفه بعباده المؤمنين وما قيض لأسباب سعادتهم من استغفار الملائكة المقربين لهم ودعاؤهم لهم بما فيه صلاح دينهم وآخرتهم .
لقد جاء أولئك الملائكة بأنواع من العبادات التي يحبها الله تمثلت في تعظيم الله وتنزيهه بتسبيحه وتحميده ، ومن ثم دعائه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ، وفي الآيات كمال أدب الملائكة مع ربهم سبحانه وتعالى بإقرارهم بربويته وبيان حاجتهم وفقرهم إليه جل جلاله .
( يسبحون بحمد ربهم ) ، إنه ذكر عظيم ، أجره كبير وقد جاء في فضل هذا الذكر أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم } [رواه مسلم
وعن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله : { من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر [رواه مسلم.
وقال عليه السلام فيما رواه مسلم ( من قال ، حين يصبح وحين يمسي : سبحان الله وبحمده ، مائة مرة ، لم يأت أحد ، يوم القيامة ، بأفضل مما جاء به . إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه )
و روى الامام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل : أي الكلام أفضل ؟ قال ” ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده : سبحان الله وبحمده ” .
وروى الامام مسلم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عند جويرية بنت الحارث رضي الله عنها بكرة حين صلى الصبح ، وهي في مسجدها . ثم رجع بعد أن أضحى ، وهي جالسة . فقال ” ما زلت على الحال التي فارقتك عليها ؟ ” قالت : نعم . قال النبي صلى الله عليه وسلم ” لقد قلت بعدك أربع كلمات ، ثلاث مرات . لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن : سبحان الله وبحمده ، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته ” .
لقد تضمنت هذه الآيات وتلك الدعوات موافقة الملائكة لربهم سبحانه في حبه جل جلاله للإيمان وأهله .
إن أهل الإيمان هم أصحاب الفلاح في الدنيا والآخرة ، ولهم من المحاسن ما لا يكون لغيرهم ، لقد امتن الله عليهم بمنن كثيرة والآء عظيمة ومن ذلك ماجاء في هذه الآيات من استغفار أولئك الملائكة المقربون لهم فمن فوائد الإيمان استغفار الملائكة الذين لا ذنوب عليهم لأهل الإيمان .
رحمة الله واسعة لا يحدها حد ، ( ربنا وسعت كل شيء رحمة ) من أسمائه جل جلاله الرحمن والرحيم ، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعاً وتسعين رحمة وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة … ) الحديث ، وهو سبحانه وتعالى يحب من عباده الرحماء ، الرحمة أيها المسلمون إذا كانت من الله ابتداءً وتفضلاً فينبغي أن تكون بين عباده المؤمنين صفة ملازمة لأخلاقهم ومعاملاتهم ، ما أجمل أن تكون الرحمة متمثلة في سلوكنا وتعاملاتنا ، إنها الرحمة المنشودة بين الأب وأبناءه والزوج وزوجته ، إنها الرحمة بين الرئيس ومرؤوسيه ، إنها الرحمة بين المعلم وتلاميذه ، إنها الرحمة بين رب الأسرة وخدمه ، إنها الرحمة التي ينبغي أن تكون بين أفراد المجتمع الرحمة بالأرامل واليتامى والفقراء والمساكين ، الرحمة بأهل ذلك السجين الذي سُجن لسبب أو آخر فحُبس عن أهله فلا عائل لهم ولا منفق عليهم قال صلى الله عليه وسلم ( إنما يرحم الله من عباده الرحماء ) رواه البخاري
إن الله جل جلاله كامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله وإذا كانت رحمته وسعت كل شيء فكذلك علمه لا يخلو منه مكان، ولا يشغله شأن عن شأن بخلاف المخلوق الضعيف الناقص فعلمه ناقص مسبوق بالجهل، وينتهي أيضا بالموت فلا يعلم إذا مات، وكذلك المخلوق ضعيف يلهيه شأن عن شأن.
أما الرب -سبحانه وتعالى- فلا يلهيه شأن عن شأن، ولا يتضرر بسؤال السائلين ولا بإلحاح الملحين ، من يحصي الخلائق؟ لا يحصيهم إلا الله في البراري والبحار وفي الجو والسماوات والأرضين كلهم يسألون الله في وقت واحد يلهجون بذكره وثنائه فيثيبهم ويجيب سؤالهم ويرزقهم ويعافيهم في وقت واحد لا يلهيه شأن عن شأن، سرهم كجهرهم ،خَلَقهم وأوجدهم أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ .
وبعد أن قدم حملة العرش ومن حوله في دعائهم لله تحميده وتسبيحه والثناء عليه بما هو أهله جل جلاله – وهذا كله من آداب الدعاء ومظنة لإجابته – شرعوا بالدعاء بالمغفرة - لمن ياترى ؟- قال الله عنهم ( فاغفر للذين آمنوا واتبعوا سبيلك ) وهذان الوصفان العظيمان وصف الإيمان بالله وإتباع السبيل القويم من أعظم الأوصاف التي حري بكل إنسان في هذه الحياة الدنيا أن يتصف بهما لأنهما طريق الرشاد والفلاح والمغفرة ، ومن دعاءنا في كل صلاة بل في كل ركعة ( اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم ، غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) .
الحمد لله الذي شرع لنا من الدين ما وصى به المرسلين، أحمده سبحانه وأشكره، وأؤمن به وأتوكل عليه، إياه نعبد وإياه نستعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، سيد الأولين والآخرين وقائد الغر المحجلين، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
ثم تابع أولئك الملائكة الأبرار دعائهم لأهل الإيمان (وقهم عذاب الجحيم ) قال أهل العلم ويتضمن الوقاية