أيمن الطيب وسام التميز
موبايل : 0110820333 عدد المساهمات : 683 نقاط : 1010
| موضوع: الثكنة 31/03/10, 06:05 pm | |
| الثكنة مما قرأته ووجدته غاية فى الروعه فأحببت ان تشاركونى روعته أوصد باب الغرفة ، استلقى فوق السرير ، قال كمن يؤدي واجباً ثقيلاً : تصبحين على خير ..أرخى جفنيه .. تثاقلت أنفاسه تدريجياً .. ثم غط في نوم عميق .. هبت من السرير مذعورة .. وكأنما لدغتها أفعى .. قالت بصوت مسموع : لا يمكنني أن أحتمل سقفاً واضحاً يجمعنا سوية .. أشعر أن سقف الغرفة سيطبق على صدري ويكتم أنفاسي .. لا أطيق فراشاً يجمعني وإياه في حدود متقاربة وفوق أرض واحدة .. فتحت باب الغرفة .. انطلقت إلى الصالة المجاورة ، ثم أطلقت العنان لأنفاسها المكتومة ..زرعت أرض الغرفة بخطوات ثقيلة قوية ، أشبه ما تكون بوقع أقدام جندي مرابض في دوريته الليلية .. نظرت إلى الساعة .. إنها تمام الواحدة ليلاً .. البيت هادئ ساكن والجميع ينام ..هي وحدها تأرق وتتألم ، عليها أن تقيم ثورة ولا تقعدها لتوقظ الجميع ، وليشاركوها آلامها .. فتحت باب غرفة الأولاد بعصبية زائدة .. سريران ، كل سرير بطابقين ، كأنها غرفة جنود في ثكنة عسكرية .. لم تلحظ ذلك من قبل .. حتى ألوان أغطية الأسرة تشبه ألوان ستر الجنود .. اقتربت من سرير ولديها .. نظرت إلى وجه ولدها الكبير ، لمحت خلف عينيه المغلقتين أطياف حزن وأسى .. تذكرت ما دار بينهما قبل ساعات حين طلبت منه أن يذهب إلى النوم مبكراً فقال معترضاً : - أنت يا أمي تعامليننا وكأننا جنود !! فردت عليه غاضبة وبأسلوب عسكري !!.. - أنت محروم من الذهاب إلى الحديقة غداً ، ومن المصروف أيضاً !!. تذكرت لهجتها وقالت : - لقد كنت قاسية .. غداً إجازة .. ما ضرني لو تركته يسهر قليلاً مع أبيه وأخوته .. استدارت نحو سرير البنتين .. لم اختارته بطابقين ؟. هل عليها أن تجند طفلتيها في ثكنتها العسكرية أيضاً .. انحت فوق جبهة صغيرتها الصقيلة .. قبلت رأسها برقة نسيتها منذ زمن طويل !! استيقظت الطفلة من أحلامها تبكي ، وحين رأت أمها قالت لها : - أرجوك .. لا تتركيني وحدي .. أنا خائفة !! استلقت الأم إلى جانب صغيرتها .. عانقتها بقوة ، تذكرت أنها لم تفعل ذلك منذ زمن طويل .. لقد أنستها أعباؤها المنزلية وواجباتها اليومية لذة عناق أطفالها !! كفت الصغيرة عن البكاء .. نظرت في وجه أمها ملياً ، تنهدت ثم قالت : - أنا أحبك يا ماما .. هل تحبيني أنت ؟.. شدتها الأم إلى صدرها أكثر وقبلتها برفق وحنان .. طبعاً يا حلوتي .. وهل هذا سؤال يحتاج إلى جواب ؟ ردت الصغيرة ببراءة وعفوية : - إذن لم تضربينني دوماً ؟.. لم تجب الأم ، حاولت أن تجد جواباً تقنع به نفسها قبل أن تقنع صغيرتها وحين حاولت أن تتكلم كانت الصغيرة قد غطت في نوم هادئ لذيذ .. انسلت من سرير صغيرتها برقة وهدوء نسيتهما منذ زمن بعيد .. تعثرت عيناها بأوراق عديدة مترامية فوق مكتب ولدها الثاني وقد كتب عليها : لن أكسر الآنية ثانية .. لن ألعب بالكرة داخل المنزل .. تذكرت أنها طلبت منه أن يقضي مساء البارحة يكتب هذه الجملة مائة مرة .. عقوبة له عما صنع .. قالت في سرها : - عقوبة تعليمية فاشلة !! ما الذي جعلها تنفذ فيه هذه العقوبة ؟ ما الذي جعلها لا ترحم توسلاته وهو يطلب منها أن تخفف العقوبة إلى خمسين مرة !! ولماذا رفضت شفاعة أبيه ؟ لقد جلست في الصالة .. بدأت تجاور نفسها ، حاولت أن تجد لنفسها مبرراً .. إنها متعبة مرهقة .. تقضي يومها بطوله بين عمل متواصل وأعباء لا تنتهي ، ما يكاد يجف الغسيل حتى يحين الكي .. وما تكاد تنتهي من تنظيف المنزل حتى يعود إلى أسوأ مما كان عليه بعد عودة الأولاد من المدرسة .. كم طلبت من زوجها أن يحضر لها خادمة تحمل عنها بعض أعبائها الثقيلة ولكنه كان يرفض في كل مرة وجود امرأة غريبة في المنزل .. تثقل كاهلهم بظلها الثقيل وبأجرها الكبير على حد تعبيره ، إنه زوج لا يرحم !! عليها أن تقف منه موقفاً عدوانياً حتى يستجيب لطلبها .. عليها أن تبرهن له في كل دقيقة أنها عاجزة عن تحمل أعباء المنزل وحدها . عليه أن يشاركها متاعبها وأن يقضي وقت راحته في المنزل يستمع إلى شكواها وتظلمها ، وأن يصبر على ظلمها للأولاد !! ولكن !! ما هذا النصر المزيف الذي حققته ؟.. لقد قلبت حياتها إلى جحيم .. وبيتها إلى ثكنة عسكرية !!. مضت ساعات طويلة قضتها مع نفسها ، تحاورها ، تعاتبها .. تحاسبها ربما تحتاج أن تنفذ حكماً عسكرياً بحق نفسها .. ابتسمت وقالت : - إن ساعة صفاء وصدق ، يقضيها المرء مع نفسه تفوق آلافاً من الأحكام العرفية !! تسللت أنوار الفجر ببطء .. أضاءت أنواره معالم مظلمة في نفسها صلت فرضها بخشوع ورفق فارقاها منذ زمن .. عادت إلى غرفتها .. فتحت بابها .. دخلتها بمشاعر جديدة .. إنها أوسع بكثير مما كانت تظنها .. كانت تحسبها زنزانة !! نظرت إلى نفسها في المرآة .. كأنها تكتشف حقيقتها لأول مرة .. قالت ساخرة : - ينقصني شاربان فقط لتكتمل صورة الرجولة في شخصي !! كم أنا جافية قاسية !! نظرت إلى ثوبها فتذكرت أنها لم تغيره منذ ليلة البارحة .. لونه الداكن يوحي بالحزن والكآبة .. ورائحته تذكرها بعشاء الأمس .. يحتاج وجهها إلى قليل من الصفاء والعذوبة !! أين ألوانها ومساحيقها لقد نسيتها منذ أمد طويل .. نظرت إلى زوجها .. ما يزال غارقاً في النوم إنه يتعب النهار بطوله ليؤمن لهم عيشاً كريماً ، ومأكلاً حلالاً طيباً إنها لا تراه إلا في المساء .. فكيف تقضي مساءها وليلها ما بين شكوى وتظلم ؟ وما بين اعتداء وتسلط !! ألا يحق له بعد تعبه المتواصل أن يجد في بيته راحة بعد عناء ؟ ورفقاً بعد شدة ؟.. لبست أجمل ثيابها ، ولونت نفسها – قبل أن تلون وجهها – بصفاء الروح وعذوبة الحنان .. نظرت إلى نفسها في المرآة .. الآن هي امرأة !! لقد اختفى ظل الشاربين عن معالم وجهها الرقيق .. وكست وجهها ملامح الأنوثة والعذوبة .. ثم امتدت تلك الملامح إلى يديها فلمست بهما جبين زوجها المتعب ، وقالت له : - صباح الخير .. لقد حان وقت الصلاة .. استيقظ زوجها مذعوراً .. نظر إليها وكأنه لا يصدق !! مسح عينيه ليزيل عنهما غشاوة طال أمدها .. صوتها العذب ، ولمستها الحانية اثارت في نفسه كل عواطف المحبين ، وأشواق المتيمين .. أدرك بفطرته أن شيئاً قد قلب معالمها وغير كيانها .. سألها بلهفة : - ألم تنمي بعد ؟ ماذا بك يا عزيزتي ؟ هل أنت متعبة ؟ ابتسمت وقالت : - لا شيء إنها ليلة صفاء ومراجعة قضيتها مع نفسي .. هب من سريره نشطاً فرحاً ، وكأنه رجل غير الذي نام ليلة أمس .. تأملها ملياً وظلت ابتسامة ترتسم على وجهه ثم قال لها ممازحاً وبلهجة عسكرية صارمة : - عليك أن تكتبي مائة مرة قول الرسول صلى الله عليه وسلم :" إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا ينزع من شيء إلا شانه " ضحكت من أعماقها وقالت : كانت خدمة إلزامية .. وقد انتهت !! لا ثكنة عسكرية ، ولا أحكام عرفية بعد اليوم !! | |
|