المتنبى شاعر العصر...للشربينى الاقصرى.
أنا لا أستطيع الغوص فى (بحور)شعر المتنبى .
فبحور شعر المتنبى ليس لها قرار وهى بلا شطآن.
وأنا لست بصدد الحديث عنه أو عن شعره فشاعرنا
أكبر وأعظم منى ومن كلماتى.
لكنى ألجأ إليه كلما أعوزتنى الحاجة وكلما صفعتنى
أحداث الزمان ونوائبه فهو(الحكيم)الذى يستطب بحكمته
كلما أعيانى الزمان .
ومن لى بحكيم غيره فهوكما قال عنه(فيلسوف)الشعراء
(أبو العلاء المعرى)
عندما قيل له: أي الثلاثة أشعر المتنبى أم أبو تمام أم البحترى ؟
فقال : المتنبي وأبو تمام حكيمان وإنما الشاعر البحتري.
ولو جاز لنا القول فإننا نقول المتنبى حكيم الشعراء). وأما عن العروبة والوطنية فهو شاعر العروبة الأوحد الغيور على
كرامتها وعزتها وما تقربه ومدحه (لسيف الدولة الحمدانى) إلا لأنه
وجد فى نفس(سيف الدولة) الروح العربية الأصيلة التى قادت خيول
(بنى حمدان) إلى معارك حامية الوطيس دفاعاً عن العروبة.
وأماعن مصر فقد عشقها ولجأ إليها أثناء خلافه مع (سيف الدولة)
وعز عليه إهانتها وسلب كرامتها إبان حكم الدولة (الاخشيدية)بقيادة
العبد (كافور الاخشيدى) .
والآن ساقطف لكم من بساتين زهور(أبوالطيب المتنبى) زهرتين فواحتين
تفوح منهما رائحة الحكمة وبعد النظر.أما الزهرة الأولى فهى تخص العروبة.
وهى قوله الشهير مخاطباً أمة العرب فى عصره وفى كل العصورإذا ما تكررت نفس المأساة التى تعصف بأمة العرب نتيجة جهلها وتخبطها بالأوهام كما يحدث الآن فى هذا العصر.
فأنت الآن ترى خريطة العالم العربى السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى أسوأ الحالات فالمعارك الطاحنة الهادمة والأنظمة المتغطرسة الظالمة تجدها كلها فى بلاد العرب.
ورغم كثرة خيراتنا فنحن الآن فى مرحلة الجهل والفقروالمرض .
فهل صدق المتنبى عندما قال واصفاً وراثياً حال أمتنا العربية وحال حكامها فى قوله:
من أيّةِ الطُّرْقِ يأتي مثلَكَ الكَرَمُ
أينَ المَحاجِمُ يا كافُورُ وَالجَلَمُ
جازَ الأُلى مَلكَتْ كَفّاكَ قَدْرَهُمُ
فعُرّفُوا بكَ أنّ الكَلْبَ فوْقَهُمُ
ساداتُ كلّ أُنَاسٍ مِنْ نُفُوسِهِمِ
وَسادَةُ المُسلِمينَ الأعْبُدُ القَزَمُ
أغَايَةُ الدّينِ أنْ تُحْفُوا شَوَارِبَكم
يا أُمّةً ضَحكَتْ مِن جَهلِها الأُمَمُ
ألا فَتًى يُورِدُ الهِنْدِيَّ هَامَتَهُ
كَيما تزولَ شكوكُ النّاسِ وَالتُّهمُ
فإنّهُ حُجّةٌ يُؤذي القُلُوبَ بهَا
مَنْ دينُهُ الدّهرُ وَالتّعطيلُ وَالقِدمُ
ما أقدَرَ الله أنْ يُخْزِي خَليقَتَهُ
وَلا يُصَدِّقَ قَوْماً في الذي زَعَمُوا.
اما الزهرة المصرية التى قطفناها من حديقة المتنبى فهى قوله إبان حكم العبد
(كافور الاخشيدى)والفساد الذى ساد مصر فى ذلك العصر:
عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ
أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ
فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ
يا سَاقِيَيَّ أخَمْرٌ في كُؤوسكُما
أمْ في كُؤوسِكُمَا هَمٌّ وَتَسهيدُ؟
أصَخْرَةٌ أنَا، ما لي لا تُحَرّكُني
هَذِي المُدامُ وَلا هَذي الأغَارِيدُ
إذا أرَدْتُ كُمَيْتَ اللّوْنِ صَافِيَةً
وَجَدْتُهَا وَحَبيبُ النّفسِ مَفقُودُ
ماذا لَقيتُ منَ الدّنْيَا وَأعْجَبُهُ
أني بمَا أنَا شاكٍ مِنْهُ مَحْسُودُ
إنّي نَزَلْتُ بكَذّابِينَ، ضَيْفُهُمُ
عَنِ القِرَى وَعَنِ الترْحالِ محْدُودُ
جودُ الرّجالِ من الأيدي وَجُودُهُمُ
منَ اللّسانِ، فَلا كانوا وَلا الجُودُ
ما يَقبضُ المَوْتُ نَفساً من نفوسِهِمُ
إلاّ وَفي يَدِهِ مِنْ نَتْنِهَا عُودُ
أكُلّمَا اغتَالَ عَبدُ السّوْءِ سَيّدَهُ
أوْ خَانَهُ فَلَهُ في مصرَ تَمْهِيدُ
صَارَ الخَصِيّ إمَامَ الآبِقِينَ بِهَا
فالحُرّ مُسْتَعْبَدٌ وَالعَبْدُ مَعْبُودُ
نَامَتْ نَوَاطِيرُ مِصرٍ عَنْ ثَعَالِبِها
فَقَدْ بَشِمْنَ وَما تَفنى العَنَاقيدُ
العَبْدُ لَيْسَ لِحُرٍّ صَالِحٍ بأخٍ
لَوْ أنّهُ في ثِيَابِ الحُرّ مَوْلُودُ
لا تَشْتَرِ العَبْدَ إلاّ وَالعَصَا مَعَهُ
إنّ العَبيدَ لأنْجَاسٌ مَنَاكِيدُ
ما كُنتُ أحْسَبُني أحْيَا إلى زَمَنٍ
يُسِيءُ بي فيهِ عَبْدٌ وَهْوَ مَحْمُودُ
ولا تَوَهّمْتُ أنّ النّاسَ قَدْ فُقِدوا
وَأنّ مِثْلَ أبي البَيْضاءِ مَوْجودُ
وَأنّ ذا الأسْوَدَ المَثْقُوبَ مَشْفَرُهُ
تُطيعُهُ ذي العَضَاريطُ الرّعاديد
جَوْعانُ يأكُلُ مِنْ زادي وَيُمسِكني
لكَيْ يُقالَ عَظيمُ القَدرِ مَقْصُودُ
مَنْ عَلّمَ الأسْوَدَ المَخصِيّ مكرُمَةً
أقَوْمُهُ البِيضُ أمْ آبَاؤهُ الصِّيدُ
أمْ أُذْنُهُ في يَدِ النّخّاسِ دامِيَةً
أمْ قَدْرُهُ وَهْوَ بالفِلْسَينِ مَرْدودُ
أوْلى اللّئَامِ كُوَيْفِيرٌ بمَعْذِرَةٍ
في كلّ لُؤمٍ، وَبَعضُ العُذرِ تَفنيدُ
وَذاكَ أنّ الفُحُولَ البِيضَ عاجِزَةٌ
عنِ الجَميلِ فكَيفَ الخِصْيةُ السّودُ؟
وعن الثعالب فى مصر فحدث ولا حرج ثعالب مازالت حتى الآن تأكل ولم تشبع ومن العجيب أن خيرات مصر مازالت موجودة للآن ولم تفنى .
ألا يستحق شاعرنا (المتنبى) أن نقول عنه إنه شاعر العصر وشاعركل العصوروأنه شاعرالعروبة وشاعر مصر .
الشربينى الاقصرى.
ليبيا/مصراتة/قصرأحمد.
1983م.