بسم الله الرحمن الرحيم
اخى الفاضل الاستاذ / الشربينى الاقصرى رعاك الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فى الحقيقة أنا الذى اشكرك لانك أنت كاتب الموضوع الاصلى ، فقد قال المولى تبارك وتعالى ( لا ينهاكم الله عن الدين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم ) ، والنصارى هم أقرب أهل الديانات السماوية الى المسلمين ، ولا أحد منا يجهل موقف أصحمة نجاشى الحبشة ، عليه رحمة الله ورضوانه ، الذى استقبل المسلمين الفارين بدينهم من بطش القريشيين الذين هم أهلهم وعزوتهم ، وأرسلوا ورائهم داهيتين من دواهيهم كى يثنوا النجاشى عن قبولهم فى أرضه ، لكنه رسول الله كان قد أرسل مع المسلمين المهاجرين جعفر بن ابى طالب المفوه الذى تكلم مع النجاشى كلاما اقنعة بحقيقة الاسلام وبين له شرك هؤلاء القريشيين الى أن جعله يطلب اليه أن يقرأ عليه بعضا مما جاء النبى صلى الله عليه وسلم ، فقرأ عليه سورة مريم ففاضت عين النجاشى هو والقساوسة والبطاركة الذين كانوا يحضرون اللقاء العظيم .
وقد أنزل الله فى النجاشى ورهبانه الذين كانوا بحضرته آنذاك والذين فاضت أعينهم بالدمع عند سماعهم لجعفر وهو يتلو آيات الله على مسامعهم قوله
وإذا سمعوا ما أنزل الى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق، يقولون ربنآ ءامنا فاكتبنا مع الشاهدين) المائدة – 83
ثم بعد ذلك أسلم النجاشى رضوان الله عليه وسمى نفسه أحمد ، ومازال قبره هناك يزار الى الان والبلدة التى فيها القبر تسمى قرية أحمد فى الحبشة ( اثيوبيا) . وفى حديث عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها أن أم سلمة والتى كانت ضمن المهاجرين أبلغتها أنها أخبرت بأن قبر النجاشى كان يخرج منه نور كل مساء أبهر وأذهل أهل الحبشة . وقد أنبأ الله تبارك وتعالى حضرة النبى محمد صلى الله عليه وسلم بموت لحظة موت النجاشى فدعا الصحابة وصلى عليه صلاة الغائب .
فمن من هو هذا النجاشى العظيم ؟
إن لفظ "نجاشى" هو لقب ومعناه فى اللغة الأمهرية وهى لغة الحبشة " ملك" وهو كلفظ " فرعون" عند المصريين ويعنى أيضا " ملك "، أما النجاشى الذى ملك الحبشة على عهد رسول الله فكان اسمه " أصحمة بن أبجر" ، وهو من الملوك العادلين ، وهو ملك ابن ملك ، وكان الاحباش قد قتلوا أباه ونصبوا عمه ، وكان أصحمة ومعناه بالحبشية (عطية)، قد خطفوه ثم باعوه رقيقا فى سوق الرقيق ، وفى نفس اليوم أو اليوم الذى تلاه هطل مطر غزير فى الحبشة فخرج الملك الجديد يستطلع المطر فاصابته صاعقة فقتلته، فشعرت بطانة الملك أنها ظلمت أصحمة فسارعوا باعادته ونصبوه ملكا بدلا عن أبيه الذى سبق وأن قتلوه.
وكان أول من هاجر الى الحبشة من المؤمنين: عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله، وأبو حذيفة بن عُتبة وامرأته سَهْلة بنت سُهيل، وأبو سلمة وامرأته أم سلمة، والزبير وعبد الرحمن بن عوف ، وعثمان بن مظعون، وعامر بن ربيعة وامرأته ليلى بنت أبى حثمة، وأبو سبرة بن أبى رهم، وحاجب بن مُعَمَّر، وسُهيل بن وهب، وعبد الله بن مسعود، خرجوا جميعا متسللين سرا، فيسر لهم الله الأمر حين وصلوا الى الساحل فوجدوا سفينتين للتجار فحملوهم فيها الى أرض الحبشة، وكان خرجوهم فى شهر رجب من السنة الخامسة من البعثة، فأقاموا فى الحبشة شعبان ورمضان .
لم يمكث المهاجرون الى الحبشة سوى شهرين فقط هما شهرى شعبان ورمضان ثم عادوا بعدما أخبروا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صالح كفار مكة.
بعد موقعة بدر أكل الغيظ قلوب كفار قريش فاجتمعوا فى دار الندوة للتشاور فى أمر إعادة المسلمين المهاجرين من الحبشة عن طريق إرسال وفد يحمل بعض الهدايا للنجاشى بغرض الحصول على موافقته فى تسليمهم المسلمين المهاجرين فى أرضه، وانتدبوا لهذه المهمة رجلان من أهل الرأى والفطنة هما عمرو بن العاص ، وعمارة بن الوليد، فركبا البحر وتوجها الى الحبشة، فلما دخلا على النجاشى سجدا له وسلما عليه وقالا: قومنا لك ناصحون، وأنهم بعثونا اليك لنحذرك من هؤلاء الذين قدموا عليك، لأنهم قوم رجل كذاب خرج فينا يزعم أنه رسول الله ولم يتبعه إلا السفهاء، فضيقنا عليهم وألجأناهم الى شعب بأرضنا لايخرج منهم أحد ولا يدخل عليهم أحد، فقتلهم الجوع والعطش، فلما اشتد عليهم الأمر بعث اليك ابن عمه ليفسد عليك دينك وملكك، فاحذرهم وادفعهم الينا لنكفيكهم، وآية ذلك أنهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ولا يحيونك بالتحية التى كنت تحيا بها، رغبة عن دينك.
ولكن كيف أسلم هذا النجاشى الذى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب ؟
فى السنة السابعة من الهجرة وفى شهرربيع الأول بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا حمله عمروا بن أمية الضمرى الى النجاشى يدعوه فيه الى الاسلام، وكتب إليه فيه أن يزوجه أم حبيبة بنت أبى سفيان بن حرب، وكانت ممن هاجر الى الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش الذى أدمن شرب الخمر وارتد عن الإسلام ، ثم ما لبث أن مات هناك، فعلم الرسول بذلك، فطلب الى النجاشى أن يعقد له عليها.
كانت للنجاشى خادمة أمينة مقربة عنده اسمها ( أبرهة ) ،وكانت هى الموكلة بثابه وطيبه، وكانت ممن حضروا الحوار الذى دار بين وفد النبى والنجاشى وسمعت جعفر بن أبى طالب وهو يقرأ على النجاشى القرءان فمال قلبها الى الإسلام، وأحبت الرسول، فأرسلها النجاشى من فوره الى السيدة أم حبيبة لتخبرها، فقالت لها : إن الملك يقول لك أن رسول الله بعث اليه بكتاب يطلب منه أن يزوجك، ويقول لك الملك من الذى سيكون وكيلك فى هذا العقد، فقالت: خالد بن سعيد بن العاص وفرحت السيدة أم حبيبة فرحا شديداً، وقال لها بشرك الله بالخير، وأعطتها بعض من حليها التى كانت ترتديها، فلما جاءها الصداق الذى بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أربعمائة دينار ذهباً، قالت لأبرهة لقد اعطيتك قليل من الحلى لأنه لم يكن عندى مال حينئذ، فهاك خمسين مثقالا خذيها هدية منى إليك، ولكن أبرهة ، أخرجت اليها الهدايا السابقة وقالت لها إن الملك يأبى أن تمد أيدينا الى أحد مطلقا، وإنما حاجتى إليك إن اذا رجعت الى رسول الله أن تقرأيه منى السلام، وتقولى له أنى صدقت به وآمنت به، وكانت كلما دخلت على السيدة أم حبيبة قالت لها: لا تنسى أن تخبرى رسول الله بما قلته لك، فلما عادت أم حبيبة الى المدينة أبلغت رسول الله وأقرأته سلام أبرهة فتبسم وفقال: ( وعليها السلام ورحمة الله وبركاته).
وللحديث بقية لعدم الاطالة .