ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
بعث الله رسوله ـ ـ برسالة الإسلام ليزيل الشرك والظلام، وينشر الهدى والنور بين الناس، فيخرجهم من عبادة الأوثان والعباد إلى عبادة رب العباد، وأنهم لآدم وآدم من تراب إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ … (الحجرات: من الآية13) وأن (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى). فشقَّ الأمر على رؤوس الكفر في مكة، فكيف مع عبيدهم على سواء يكونون؟ وكيف بلا قيان يعيشون؟ ثم كيف يكونون سادةً إن لم يكونوا طغاةً وظلمةً يتجبرون
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
قال الله سبحانه:وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ…(لأنفال:30) .
بعث الله رسوله ـ ـ برسالة الإسلام ليزيل الشرك والظلام، وينشر الهدى والنور بين الناس، فيخرجهم من عبادة الأوثان والعباد إلى عبادة رب العباد، وأنهم لآدم وآدم من تراب إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ … (الحجرات: من الآية13) وأن (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى). فشقَّ الأمر على رؤوس الكفر في مكة، فكيف مع عبيدهم على سواء يكونون؟ وكيف بلا قيان يعيشون؟ ثم كيف يكونون سادةً إن لم يكونوا طغاةً وظلمةً يتجبرون، وعتاةً لا يرعوون؟ كيف وكيف؟ وهكذا أنكروا على رسول الله ـ ـ دعوة الحق على الرغم من إقامة الحجة عليهم بالتحدي الصريح لهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، وعقلوا أنه ليس كلام بشر، بل هو من عند الله، إلا أنهم استكبروا، وعاندوا، وجمعوا مكرهم وكيدهم لرسول الله ـ ـ وصحبه رضوان الله عليهم، فعذبوهم، وقاطعوهم، وآذوهم، ولكنهم لم يفلحوا بصدّهم عن دعوة الحق بل ازداد المؤمنون إيماناً فوق إيمانهم، فاشتد أذى الكفار على المسلمين وازداد إلى أن استقر الأمر عند رؤوس الكفر أن يقرروا قتل رسول الله ـ .
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قصة اجتماع رؤوس الكفر في دار الندوة بمكة يتشاورون ما يصنعون برسول الله ـ ـ للقضاء على دعوة الإسلام فقال بعضهم احبسوه في وثاق وقال آخر أخرجوه من بين أظهركم... إلى أن قال أبو جهل: والله لأشيرن عليكم برأي ما أراكم أبصرتموه بعد، ما أرى غيره، قالوا ما هذا، قال تأخذون من كل قبيلة وسيطاً شاباً جلداً، ثم يعطى كل غلام منهم سيفاً صارماً، ثم يضربونه ضربة رجل واحد، فإذا قتلتموه تفرق دمه في القبائل كلها فلا أظن هذا الحي من بني هاشم يقدرون على حرب قريش كلهم وأنهم إذا رأوْا ذلك قبلوا العقل واسترحنا وقطعنا عنا أذاه... فأتى جبريل النبي ـ ـ فأمره ألاَّ يبيت في مضجعه الذي كان يبيت، وأخبره بمكر القوم، فلم يبت رسول الله ـ ـ في بيته تلك الليلة، وأذن الله له عند ذلك في الخروج، وأنزل عليه بعد قدومه المدينة، يذكر نعمته عليه، الآية الكريمة وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...(لأنفال: من الآية30)وقد ذكر ابن هشام في سيرته نقلاً عن ابن إسحق من طريق ابن عباس نحو هذا.
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...(لأنفال: من الآية30) المكر هو التدبير الخفي ضد الخصم أي من غير أن يعلم.
لِيُثْبِتُوكَ ...(لأنفال: من الآية30)أي ليحبسوك في وثاق.
إن القوم قد اجتمعوا يدبِّرون الخلاص من رسول الله ـ ـ ودعوته وحرصوا أن لا يصل الخبر إلى رسول الله ـ ـ بما صنعوا، ولكن الله رد كيدهم في نحرهم، وأنبأ رسوله بمكرهم، ودبَّر الله لهم ما فيه ذلهم وهزيمتهم، وما فيه العز والنصر لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه ولأصحابه رضوان الله عليهم. والله سبحانه هو خير من دبَّر لإزهاق الباطل ومحق الكافرين.
يتبيّن من هذه الآية الكريمة، وأسباب نزولها، الأمور التالية:
1 ـ إن الشدائد مفاتيح الفرج، وإن مع العسر يسراً، فإنَّ كفار مكة آذوْا الرسول ـ ـ وآذوْا أصحابه واشتد الأذى إلى أن وصل منتهاه وهو قتل الرسول ـ ـ فكان قرار القتل هذا إيذاناً بهجرة رسول الله ـ ـ وقيام الدولة في المدينة فعلا سلطان الإسلام وعز المسلمون.
وهذا أمر عظيم يجب أن يدركه المسلمون وبخاصة حَمَلَة الدعوة، فلا تقعدهم الشدائد والصعاب عن مضاعفة العمل لاستئناف الحياة الإسلامية، بل يجب أن تزيدهم قوةً ونشاطاً واستبشاراً بنصر من الله وفتح قريب.
2 ـ إن الأخذ بالأسباب أمر بالغ الأهمية في الإسلام، فإنَّ الله سبحانه قد أمر رسوله ـ ـ أن لا يبيت في فراشه تلك الليلة، واتخذ الرسول ـ ـ بوحي من ربه، من الأسباب أثناء هجرته ما فيه دلالة واضحة على ربط الأسباب بالمسببات. كل ذلك والرسول ـ ـ كان يدرك أنهم لن يصلوا إليه بسوء فقد أجاب أبا بكر عندما قال له يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لرآنا، عندما كان الكفار يقفون بباب الغار الذي فيه الرسول ـ ـ وصاحبه أبو بكر ـ ـ فأجابه الرسول ـ ـ: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما) وكما في الآية الكريمة لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا … (التوبة: من الآية40) مما يدل على أن الرسول ـ ـ كان موقناً بالنجاة من الكفار كما أوحى الله سبحانه إليه. ومع ذلك أخذ الرسول ـ ـ من الأسباب كل ما يلزم من عدم المبيت تلك الليلة وجعل علي ـ ـ مكانه يتسجى ببُرد الرسول ـ ـ ثم الذهاب جنوباً إلى غار ثور بدل أن يذهب مباشرةً إلى المدينة وهي شمال مكة، والاختفاء في الغار ثلاثاً ثم استطلاع الأخبار وهو في الغار ليعرف خبر القوم، وبعد ذلك يجعل مولى أبي بكر عامر بن فهيرة يريح الغنم على آثار عبد الله بن أبي بكر الذي كان يأتيه بالأخبار لكي تزول الآثار.
ولذلك فإن الأخذ بالأسباب من الأمور المهمة التي لا يصح أن تترك جانباً ظناً من المسلم أنه بهذا يحسن صنعاً، بل عليه الأخذ بها لأن رسول الله ـ ـ قد أخذ بها وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا … (الحشر: من الآية7).
3 ـ إن الله يتولى الصالحين، والمؤمن في رعاية الله في السراء والضراء إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا … (الحج: من الآية38) فقد اجتمع رؤوس الكفر في مكة يتشاورون في أمر رسول الله ـ ـ ومكروا مكراً شديداً، فقرروا قتل رسول الله ـ ـ، لكن الله أبطل مكرهم، ورد كيدهم في نحرهم، ودبَّر لهم ما لم يستطيعوا الفكاك منه، فنجَّى رسول الله ـ ـ وأذن له بالهجرة وأوصله سالماً. فالله سبحانه ناصر عباده المؤمنين إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ … (غافر:51).
فيجب أن يدرك المسلمون وبخاصة حَمَلَة الدعوة أن الله سبحانه معهم وهو عز وجل موهن كيد الكافرين ومبطل مكرهم وسوء تدبيرهم وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ... (لأنفال: من الآية30).