في دراسةٍ لمعاني الإدمان ودلالاته من منظور إكلينيكي، تم التوصُّل إلي ترجمةٍ مبدئية لما تعنيه هذه الظاهرة من خلال انتشارها بهذا التواتر، ومقاومتها لكل أنواع العلاج:
1- الإدمان والبحث عن المعنى:
في الوقت الذي يبدو فيه المدمن "هارباً من..." نتبيَّن أنه "هارب إلى..."، بما يعني أنه في حاجة إلى "معنى". من واقع استجابة المدمن الأولية للعلاج ومع حسابات البدايات والمآل، فبالتتبع، لاحظنا أن المدمن يتجه نحو نوع من التماسك من خلال تعتيمه لمستوى سائد من الوعي، ألماً في تفجيره لمستوى آخر، يعد - ولا يفي - بمعنى أكثر شمولاً وأدق توجُّهاً.
2- الإدمان والافتقار إلى الفكرة المحورية:
يعلن المدمن افتقاره إلى فكرةٍ محورية غائبة. ومع أن هذه القضية ليست خاصة بالمدمن وحده، بل يمكن اعتبارها سمة سائدة للحياة المعاصرة، إلاّ أن المدمن يكاد يدرك ذلك فيرفضه، ويهم لمواجهته فتبوء محاولته بالفشل، فيرتد أكثر تناثراً وبعداً عن الفكرة الغائبة المحورية. فهو بلجوئه إلى المخدّر (كتحريك كيميائي مفتعل) يكاد يقترب من بعضه البعض، بل ومن الآخر والمجموع. لكن سرعان ما يفقد التوجُّه المحوري نظراً لعجزه الشديد والواضح من المثابرة، ونتيجة لطبيعة التصنُّع والافتعال في محاولة لم يتوفر لها الدافع الطبيعي، والغاية الضامة. فالمدمن يعلن الافتقار إلى الفكرة المحورية، وفي نفس الوقت يهم بتعويض ذلك، إلا أنه يقع في اتباع أسلوب كيميائي متعجِّل سرعان ما يقوّض تلك الفكرة المحورية من البداية.
3- الإدمان ووهم البحث عن منابع الكشف والإبداع:
يلوِّح الإدمان بإبداع يعد بالكشف، لكن ذلك سرعان ما يقود الفرد إلى التورط. فمن خلال الافتقار إلى المعنى والبدايات المتجهة إلى الفكرة المحورية، يبدو للمدمن في مساحةٍ ما من وعي غائر أنه "باللعب الكيميائي". في مساحات الوعي المتبادلة، يمكن إجراء محاولة إعادة تنظيم الذات على مستوى أعلى (إبداع)، إلا أن هذا في أغلب الأحيان يتكشف عن وعي كاذب.
4 - الإدمان طريق لإخماد الحاجة إلى الآخر:
يهدف الإدمان إلى إخماد الحاجة إلى الآخر (بقدر ما تذل وتكلف). فبرغم دفء مظاهر التواصل الملحوظ بين أفراد فئات المدمنين، نتبيّن قصر عمر هذه المشاعر وعدم جدواها في النهاية، اللهم إلاّ في تسهيل التقمُّص والاعتماد على منطق جماعي يبرّر اختيار هذا الحل (الإدمان) على مستوى ما من مستويات الشعور. فالحاجة إلى الآخر عند المدمن تتحرك في إلحاح (ربما أكثر من الشخص العادي)، وتعلن شروطها الواقعية التي لا يتحمَّلها المدمن، فيلجأ إلى هذا "التسهيل الكيميائي" تغافلاً عن الشروط من ناحية، وتسهيلاً للاندفاعية نحو الآخر من ناحية أخرى، لكن ذلك كله أو أغلبه سرعان ما ينكشف خواؤه باختبار الواقع، وتحديات المثابرة وهو بذلك يحقق انتماءاً سهلاً سريعاً، لكنه سطحي عابر.
الادمان مشكلة
تُعتبر مشكلة الإدمان مشكلة عالمية ذات جوانب متعددة، ولا تنجو من ذلك أية دولة سواء كانت متقدمة أو نامية. وبالرغم من الجهود المحلية والعالمية التي تُبذل في مواجهة هذه المشكلة ضمن الاهتمام العام بالصحة الفردية والمجتمع، فإن مشكلة الإدمان في تفاقم مستمر حتى بلغ عدد المدمنين - كما ورد في بيان لهيئة الصحة (1990) حوالي 162 مليوناً في كافة أنحاء المعمورة.
وفيما يلي بعض تفصيل ذلك كأمثلة.
فقد بدأ انتشار الكوكايين في التصاعد بشكل جامح، وبخاصة في الأمريكتين وأوربا حتى وصل الرقم المرصود إلى اثنى عشر ونصف مليون حالة.
وكذا تصاعد استعمال المنشطات وخاصة الأمفيتامينات في كل العالم حتى وصل في ستة أقطار (هي شيلي وأندونيسيا واليابان والمكسيك وإسبانيا والولايات المتحدة) بما يربو على ثمانية ونصف مليون حالة.
أما الحشيش فقد ظل أكثر المواد استعمالاً عبر العالم، إذ تقدّر حالات متعاطيه بـ 32.83 مليون شخصاً يقيم معظمهم في كندا وإسبانيا والمكسيك والولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى العديد من الأقطار الأخرى.
أما المهدئات والمسكنات التي تستعمل عادة بالإضافة إلى الكحول ومواد أخرى، فقد وصل عدد الذين يلجأون إليها إلى 21.54 مليون حالة.
وبالنسبة لحالات التدخين، فإن نسبته بين البالغين وصلت إلى 7.1 % ما بين 1970 – 1985 . وقد انخفضت في عدد من البلاد الصناعية المتقدمة مؤخراً فبلغت نسبة التدخين في الولايات المتحدة 9% وهي النسبة في كندا، ثم 6% في استراليا، 25 % في المملكة المتحدة. وعلى النقيض من ذلك زادت نسبة التدخين في البلاد النامية فوصلت في أفريقيا مثلاً إلى 42 %، وفي أمريكا اللاتينية إلى 24 % وفي أسيا إلى 22%.
شخصية المدمن وسيكولوچية الإدمان
تُعتبر مشكلة سوء استخدام العقاقير من أخطر المشكلات التي تواجه العالم بصفة عامة والمجتمعات النامية، ومنها مصر بصفةٍ خاصة. وعلى الرغم من التشريعات التي تصدر للحدّ من انتشار هذه الظاهرة، إلا أنها مازالت قائمة وتشغل اهتمام الكثير من الهيئات سواء المحلية أو العالمية والعديد من الباحثين للتصدي لها.
ولكن ما هو السبب الذي يدفع شخصاً ما نحو الإدمان؟!!
هل هو حب للمخاطرة؟ هل هي جاذبية الممنوع؟
هل هو تحدّي السلطة؟ هل هي قوة الحاجات الذاتية المدمرة؟
هل هي الرغبة في الانتماء لجماعات معينة؟ هل هو الحرمان؟
هل هي محاولة لإثبات الوجود؟
أو هل هي هروب من إحساس الفرد بأنه وحيد في مجتمع عدائي؟
هل هو الترف والرفاهية الزائدة؟
هل هذه الأسباب حقيقية أم وهمية، سؤال يطرح نفسه؟
ومن هنا تبرز أهمية دراسة شخصية المدمن وسيكولوچية الإدمان لإلقاء الضوء عليها:
1- إن المدمن ليس إنساناً شريراً بل إنسان مريض.. وهنا تبرز الدعوة إلى التعاطف مع المدمن وليس إدانته وتجريمه.
2- إن العلاج ليس هو مجرد سحب العقار من الجسم، بل إعادة بناء شخصية المدمن.
3- إن الجانب الوقائي يتفوَّق ويتعالى بشدة على الجانب العلاجي.
4- إن الإدمان والمدمنين لمسئولية مشتركة بين فئات كثيرة.
وهناك أربعة أنواع من الأفراد يمكنهم الدخول في دائرة الإدمان