شاع قديما لدى الجهال من الناس أن الجن يعلمون الغيب، و مردة الجن يحاولون أن يؤكدوا هذا الفهم الخاطئ عند البشر، و قد أبان الله للناس كذب هذه الدعوى، عندما قبض روح نبيه سليمان، و قد كان سخر له الجن يعملون بين يديه بأمره، و أبقى جسده منتصبا، و استمر الجن يعملون، و هم لا يدرون بأمر وفاته، حتى أكلت دابة الأرض عصاه المتكئ عليها، فسقط، فتبين للناس كذبهم في دعواهم، أنهم يعلمون الغيب: ( فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ) سبأ 14.
و قد سبق القول كيف كانوا يسترقون خبر السماء، و كيف زيد في حراسة السماء بعد البعثة.
العرافون و الكهان :
و بذلك يعلم عظم الخطأ الذي يقع فيه عوام الناس بإعتقادهم أن بعض البشر كالعرافين و الكهان يعلمون الغيب، فتراهم يذهبون إليهم يسألونهم عن أمور حدثت من سرقات و جنايات، و أمور لم تحدث مما سيكون لهم و لأبنائهم، و لقد خاب السائل و المسؤول، فالغيب عند الله، لا يظهر الله عليه إلا من شاء من رسله
عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحد إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه و من خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم و أحاط بما لديهم و أحصى كل شيء عددا ) الجن 26- 28.
و الإعتقاد بأن فلانا يعلم الغيب اعتقاد آثم ضال، يخالف العقيدة الإسلامية الصحيحة التي تجعل علم الغيب لله وحده.
أما إذا تعدى الأمر إلى استفتاء أدعياء الغيب، فإن الجريمة تصبح من العظم بمكان، ففي صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه و سلم قال
من أتى عرافا فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ).
و تصديق هؤلاء والاستعانة بهم كفر ففي السنن و مسند أحمد عن أبي هريرة مرفوعا: ( من أتى كاهنا، فصدقه بما يقول، فقد برئ بما أنزل على محمد .
قال شارح العقيدة الطحاوية : " و المنجم يدخل في اسم ( العراف ) عند بعض العلماء، و عند بعضهم هو معناه . ثم قال : فإذا كانت هذه حال السائل، فكيف حال المسئول؟ و مراده إذا كان السائل لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، و إذا كان الذي يصدق الكاهن و العراف يكفر بالمنزل على الرسول صلى الله عليه و سلم، فكيف يكون حكم الكاهن و العراف.
المنجمون :
و صناعة التنجيم التي مضمونها : الأحكام و التأثير، و هو الاستدلال على الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية، أو التمريح بين القرى الفلكية و الفوايل الأرضية: صناعة محرمة بالكتاب و السنة؛ بل هي محرمة على لسان جميع المرسلين، قال تعالى
و لا يفلح الساحر حيث أتى ) طه 69. و قال تعالى : ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت و الطاغوت ) النساء51. و قال عمر بن الخطاب : الجبت السحر.
تعليل صدق المنجمين و العرافين في بعض الأحيان:
قد يزعم قائل أن العرافين و الكهنة و المنجمون يصدقون أحيانا و الجواب: أن صدقهم في كثير من الأحيان يكون من باب التلبيس على الناس، فإنهم يقولون كلاما عاما يحتمل وجوها من التفسير، فإذا حدث الأمر، فإنه يفسره لهم تفسيرا يوافق ما قال.
و صدقهم في الأمور الجزئية إما يرجع إلى الفراسة و التنبؤ، و إما أن تكون هذه الكلمة الصادقة مما خطفه الجن من خبر السماء. ففي الصحيحين عن عائشة، قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الكهان؟ فقال
ليسوا بشيء ) . قالوا يا رسول الله، إنهم يحدثوننا بالشيء فيكون حقا! فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم
تلك الكلمة من الحق خطفها الجني فقذفها في أذن وليه، فيخلطون معها مائة كذبة ).
و إذا كانت القضية التي صدق فيها من الأمور التي حدثت كمعرفته بالسارق، أو معرفته باسم الشخص الذي يقدم عليه لأول مرة و أسماء أبنائه و أسرته، فهذا قد يكون بحيلة ما، كالذي يضع شخص ليسأل الناس، و تكون عنده وسيلة لاستماع أقوالهم قبل أن يمثلوا بين يديه، أو يكون هذا من فعل الشياطين، و علم الشياطين بالأمور التي حدثت و وقعت ليس بالأمر المستغرب.
الكهنة رسل الشياطين:
يقول إبن القيم :" الكهنة رسل الشياطين؛ لأن المشركين يهرعون إليهم، و يفزعون إليهم في أمورهم العظام، و يصدقونهم، و يتحاكمون إليهم، و يرضون بحكمهم، كما يفعل أتباع الرسل بالرسل، فإنهم يعتقدون أنهم يعلمون الغيب، و يخبرون المغيبات التي لا يعرفها غيرهم، فهم عند المشركين بمنزلة الرسل، فالكهنة رسل الشيطان حقيقة، أرسلهم إلى حزبه من المشركين، و شبههم بالرسل الصادقين، حتى استجاب لهم حزبه، و مثل رسل الله بهم لينفر عنهم، و يجعل رسله هم الصادقين العالمين بالغيب، و لما كان بين النوعين أعظم التضاد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
من أتى عرافا أو كاهنا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد ).
فإن الناس قسمان : أتباع الكهنة، و أتباع الرسل، فلا يجتمع في العبد أن يكون من هؤلاء و هؤلاء، بل يبعد عن الرسول صلى الله عليه و سلم بقدر قربه من الكاهن، و يكذب الرسول بقدر تصديقه للكاهن.
أقول : و من يدرس تواريخ الأمم يعلم أن الكهان و السحرة كانوا يقومون مقام الرسل، و لكنهم رسل الشياطين، فالسحرة و الكهنة كانت لهم الكلمة المسموعة في أقوامهم، يحلون و يحرمون، و يأخذون المال، و يأمرون بأنواع من العبادة و الطقوس ترضي الشياطين، و يأمرون بقطيعة الأرحام، و انتهاك الأعراض، و قد بين العقاد شيئا من ذلك في كتابه المسمى بــ ( إبليس ).
واجب الأمة نحو هؤلاء:
ما يدعيه المنجمون، و العرافون، و السحرة، ضلال كبير و منكر لا يستهان به، و على الذين أعطاهم الله دينه، و علمهم كتابه و سنة نبيه أن ينكروا هذا الضلال بالقول والعمل، و يوضحوا هذا الباطل بالحجة و البرهان، و على الذين في أيديهم السلطة أن يأخذوا على أيدي هؤلاء الذين يدعون الغيب من العرافين و الكهنة و ضاربي الرمل و الحصى، و الناظرين في اليد ( و الفنجان )، و عليهم أن يمنعوا نشر خزعبلاتهم في الصحف و المجلات. و يعاقبوا من يتظاهر ببضاعته و ضلالاته في الطرقات و قد ذم الله بني إسرائيل لتركهم التناهي عن المنكر : ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) المائدة 79.
و في السنن عن النبي صلى الله عليه و سلم برواية الصديق- رضي الله عنه– أنه قال : ( إن الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله بعقابه ). رواه ابن ماجة و الترمذى و صححه.
منقول.......