كان رسول الله القدوة الحسنة لنا كأمة إسلامية ، يهتم برعاية شؤون الأطفال الأيتام فيطعمهم مما يأكل ويهتم بلباسهم ومنظرهم اللائق ويحاول توفير المستلزمات المالية والمادية إضافة إلى الحنان الأبوي لهم ، وقد خصص لهم مقتطعات ومخصصات مالية من بيت مال المسلمين ، وهذه الفئة هي الفئة الأكثر رعاية لدى الحبيب المصطفى ، فكونوا سائرين على دربه القويم ، والصراط المستقيم فلا تبخلوا على الأيتام بأي شيء ، بل انفقوا عليهم عن طيب خاطر والانفاق عليهم هو انفاق في سبيل الله ذو الجلال والإكرام ، ولا تنسوا أبناء الشهداء والأسرى والجرحى فكلموهم بالكلام الطيب والمعاملة الحسنة ولا تكلفوهم ما لا يطيقون ، فهذه الفئات بحاجة لأموالكم وحنانكم وعطفكم ورعايتكم الرعاية الكريمة اللائقة دون منة أو أذى .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث على رعاية الايتام وملاطفتهم كما جاء بصحيح البخاري - (ج 9 / ص 315) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ " . فانظروا إخواني وأخواتي ما اروع الإسلام وما أطيب الحديث النبوي الشريف الذي يعتبر التعدي على حقوق الأيتام من السبع الموبقات التي توبق الإنسان بالذنوب الكبرى فحرم على الناس أكل مال اليتيم القاصر الذي لا حول له ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . فهل بعد هذا إهتمام ورعاية ؟ بالتأكيد لا ، ولكن ما نلاحظه في هذه الأيام أن بعض الكبار الذين اصبحوا أوصياء على الأطفال الأيتام يأكلون أموال الأطفال بالباطل دون وجه حق وهذه كبيرة من الكبائ روموبقة من سباعيات الأمور المنهي عنها في مبادئ الإسلام العظيمة . فاجتنبوا هذه الموبقات وفي مقدمتها الإعتداء على أموال الأيتام المساكين الذين فقدوا معيلهم كالأب أو الأم . فيا أيها الأب عامل الأيتام كما تحب أن تعامل اطفالك ، ويا أيتها الأم الرؤوم عاملي هؤلاء الأطفال الأيتام كما تحبين أن تعاملي أولادك الذين انجبتيهم ، فكل هؤلاء هم أبناؤنا ويجب أن نوفر لهم سبل العيش الكريم ونمنحهم الحنان والحب والمودة والصداقة الصادقة ليعيشوا سعداء لا أشقياء فجناحهم خفيض فلنك لهم خير معين ، ليتجنبوا الحياة القاسية ، فلنخفف عنهم ما استطعنا لذلك سبيلا ، ونتظر الجزاء الأوفى من رب العباد جميعا فهو خالقنا ورازقنا ، ولا تبخلوا على الأيتام بالمال فالمال مال الله في أرض الله لعباد الله كان وما زال وسيبقى .
وفي ليلة الإسراء والمعراج سئل رسول الله ( ص ) عن الأشياء التي رآها فقال : " إنطلق بي الى خلق من خلق الله كثير ، رجال كل رجل منهم له مشفر كمشفر البعير ، وهو موكل بهم رجال يفكون لحاء أحدهم ، ثم يجاء بصخرة من نار فتقذف في في ( فم ) أحدهم حتى يخرج من اسفله ولهم جؤار وصراخ ، قلت : يا جبريل من هؤلاء ؟ قال هؤلاء الذين ياكلون اموال اليتامى ظلما إنما ياكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا " ، وكما ورد في تفسير القرآن العظيم لابن كثير ، " وقال احدهم وهو السدي ان الله ( يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه وانفه وعينية ، يعرفه كل من رآه بآكل مال اليتيم ) ."
ودعا الاسلام الى كفالة الايتام والانفاق عليهم وان جزاء ذلك جنة الخلود ، جاء بصحيح البخاري - (ج 18 / ص 417) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى " . أي قارب بين اصبعية السبابة والوسطى ، وكافل اليتيم : القائم على امره . وفي رواية أخرى ، جاء بموطأ مالك - (ج 6 / ص
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ إِذَا اتَّقَى وَأَشَارَ بِإِصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ " . وجاء بمسند أحمد - (ج 39 / ص 25) قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " منْ ضَمَّ يَتِيمًا بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ وَمَنْ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا كَانَ فَكَاكَهُ مِنْ النَّارِ يُجْزِي بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ " .
وورد في المعجم الكبير للطبراني - (ج 11 / ص 19) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أَحَبَّ الْبُيُوتِ إِلَى اللَّهِ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ مُكْرَمٌ " . وجاء بمسند أحمد - (ج 45 / ص 127) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لَمْ يَمْسَحْهُ إِلَّا لِلَّهِ كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَهُ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ وَفَرَّقَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى " . وقال السلف الصالح إياكم وبكاء اليتيم فإنه يسري في الليل والناس نيام .
اعزاءنا وفي فلسطين ، نشات العديد من المؤسسات الاسلامية والاجتماعية العامة لكفالة الايتام منها لجان الزكاة وجمعيات اليتيم العربي في القدس وطولكرم وسواها حيث توفر لهم في بعض الاحيان التعليم المجاني والاقامة والمأكل والملبس ، فجزى الله هذه المؤسسات خير الجزاء . وهناك حاجة ماسة لكفالة أيتام وأطفال فلسطين الغلابى ، كفالة مالية وحياتية عامة وتوفير التعليم العام والعالي لهم وخاصة في ظل قوافل الشهداء التي تزف يوميا جراء العدوان والحصار والإغلاق الصهيوني اليهودي الغاشم الذي لا يفرق بين كبير وصغير بين رجل وامراة بين طفل وشاب ، فالكل تحت السكين الاحتلالي .
ايها الاخوة والاخوات ... وعن ثواب أم الايتام التي توفي عنها زوجها وترك لها اطفالا تصبر على رعايتهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا أول من يفتح باب الجنة إلا أني أرى امرأة تبادرني فاقول لها مالك ؟ ومن أنت ؟ فتقول : أنأ امرأة قعدت على أيتام لي " ، رواه ابو يعلى .
وبهذا نرى اهتمام الإسلام العظيم بهذه الفئة من الأطفال المحرومين ، من حنان الأب أو الوالدين ، حرموا من الحنان والعاطفة والحب والمداراة واللطف والملاعبة والكلمة الطيبة والاصطحاب إلى البقالة والشراء للطفل ما يشاء وما يطلب ، فلم ينسى الإسلام هذا النوع من الطفولة بل طلب وبأمر إلهي وحض نبوي شريف على تركيم الأطفال الأيتام ليس في وم واحد كيوم اليتيم بل في جميع أيام وأسابيع وشهور وفصول السنة . وقد وعد الله سبحانه وتعالى من يهتم بالأطفال الأيتام ذكورا وإناثا بالثواب الجزيل ودخول جنة المأوى والنعيم المقيم ، كيف لا وهؤلاء الأطفال بحاجة إلى من يرعاهم ويسهل شؤون حياتهم . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتيم الأب ثم يتيم الأم فكفله جده أبو طالب ، وقد أحبه حبا جما ورعاه .
على أي حال ، إن الإسلام بشموليته وكماله وجماله لا يستثني فئة من فئات المجتمع الإسلامي إلا وحدد لها حقوقا لكي لا تظلم فتيلا أو نقيرا ، وكان اهتمامه بالأطفال الأيتام اهتماما عظيما متزايدا فعين لهم نصيبا من المال ونصيبا من الحنان والألفة والمودة ودعا إلى رعايتهم الرعاية الكافية وكفالتهم على أحس وجه من الكفالة ، والكفالة تعني التربية الحسنة والتنشئة الاجتماعية الإسلامية السوية وإغداق المال عليهم وتوفير حاجياتهم الدنيوية من الطعام والشراب واللباس والاحترام والتوقير والإحسان الجزيل إليهم . وبهذا لم يأت أحد بأفضل مما جاء الإسلام به في اصطحاب هذه الفئة من الأطفال الذين فقدوا معيلهم وبالتالي وضع نظاما خاصا بهم لتدليلهم ورعايتهم افض رعاية نفسية وجسدية ومالية في جميع الأوقات ، وكذلك حث على الإنفاق عليهم من مالهم إن كانوا ورثوا تركة مالية أوعقارية أو تخصيص جزء من المال يقتطع لصالحهم إن لم يكن لهم ورثة مالية أو عقارية أو نقدية سائلة . فما أروع الإسلام الذي ينظم شؤون هذه الفئة المغلوبة على أمرها للوقوف معها في المحن والمصائب وتقديم كل التسهيلات المادية والمعنوية لهم حبا فيهم ورغبة في تكريم آبائهم الذين استشهدوا وتركوهم أو ماتوا موتا طبيعيا .
وهناك من يقول ، إن اليتيم هو يتيم الأب ، والبعض يقول إن اليتيم هو يتيم الأم الذي فقد أمه ، والبعض الثالث يقول أن اليتيم الأكثر تاثرا هو الذي فقد ابيه وأمه مع بعضهما البعض ، فانظر أخي الكريم ، أختي الكريمة ، كيف سيعيش هؤلاء الأطفال الذين فقدوا ىبائهم وأمهاتهم في حادث طرق أو في حرب معينة أو في عدوان احتلالي أو تعرضهم لقطاع طرق ولصوص فسلبوا مالهم وقتلوا والديهم ، هذه المسألة نظر لها الإسلام بعيون العطف والحنان ولم يتركهم يهيمون على رؤوسهم لا معيل لهم بل حض وأمر برعايتهم حق الرعاية الطبيعية . وغني عن القول ، إن رعاية هؤلاء الأطفال اليتامى لا يعوضهم عن فقد آبائهم أو أمهاتهم بل يقلل من هول الصدمة ويوفر لهم الحد الأدى من الكفالةوالرعاية والاهتمام الذي يليق بأطفال أبرياء تعرضوا لنكبة طبيعية أو ذهبوا ضحية حرب عدوانية ضد المجتمع الإسلامي .
وأخير نقول ، لا تنسوا الأيتام من إحسانكم ، الإحسان العاطفي والحنان الأبوي والأمومة الصادقة ، وكذلك لا تنسوهم من الإنفاق المالي المناسب ، من الزكاة الإسلامية والصدقات والتبرعات ، ولا تتركوهم لوحوش الحياة القاهرة ولا تستغلوهم أي نوع من الإستغلال فطلباتهم وتظلماتهم مجابة عند خالقهم رب العالمين جميعا ، والظلم ظلمات سوم القيامة فلا تظالموا وكونوا عباد الله إخوانا . فإذا كنت أخي الكريم مقتدرا ولا تكفل طفلا يتيما فبادر لذلك الآن قبل الغد وكذلك أنت أختي الكريمة إذا كنت مقتدرة فبادري لكفالة يتيم الآن وليس غدا . وجزاكم الله خير الجزاء سلفا .
والله ولي التوفيق .
نترككم في أمان الله ورعايته .
طبتم بما أسلفتم في الأيام الخالية .
سلام قولا من رب رحيم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته