السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسئات أعمالنا
الحمد لله الذي خلق الخلق وهداه وطهر نبيه واصطفاه
أما بعد
فإن الإنسان يعيش
في هذه الحياة الدنيا وهو مطلوب منه أن يتعبد إلى ربه سبحانه وتعالى
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات : 56]
فالسبب وراء خلق الإنسان هو التعبد إلى الله سبحانه وتعالى
والله سبحانه وتعالى لم يرد أن يعذبنا ويشق علينا
فالله يقول :
وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ
ويقول ربنا سبحانه وتعالى : وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
ويقول الملك : مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً
فالله سبحانه وتعالى يريد أن يرى منا ويختبر حقيقة ايماننا
وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء
فالأمر هو محض اختبار وتمحيص وليس الأمر تعذيب ولا معاناة
فنحتاج إذا أن نعود معا إلى عهد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
في عامه التاسع من الهجرة حين سمع أن الروم يجهزون لملاقة الرسول صلى الله عليه وسلم
فجهز النبي صلى الله عليه وسلم جيشا سمي بجيش العسرة حيث كان الحر شديد وكان الحال عسيرا
وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يحث اصحابه على التجهيز لملاقاة العدو فقال لهم : من جهز جيش العسرة فله الجنة
وعندما علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الفضل العظيم تسابقوا في تجهيز الجيش
فهذا عثمان بن عفان يجهز ثلث الجيش وهذا عمر يأتي بنصف ماله وهذا الصديق أبو بكر جاء بكل ماله
وبدأ المسلمون يستعدون للجهاد وللقاء العدو وهم في طاعة ربهم سبحانه وتعالى
وجاء المنافقون قبيل الخروج ليعتذروا عن الطاعة وعن الجهاد ويتحججون بالحجج الواهية
ففضحهم ربنا سبحانه وتعالى فقال عنهم : ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة
وقد اعتذروا بالشدة الحر فقالوا لا تنفروا في الحر فقال لهم ربنا سبحانه وتعالى أن نار جهنم هي أشد حرا وهي جزاء من يخالف تعاليم الله سبحانه وتعالى ويبتعد عن طاعته
وقد كان من بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنهم أدركوا الأمر فسارعوا إلى إدراك النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه مثل أبا خيثمة
وتحرك النبي صلى الله عليه وسلم بالجيش ليلاقي جيش الروم العظيم ولنا ان نتخيل معا كيف سيكون شكل هذا الصدام
فالنبي صلى الله عليه وسلم بين ثلاثون ألفا من أصحابه
والروم قد أستعدوا هم وقبائل العرب للقضاء على الإسلام بأسره
فكيف كان اللقاء ولمن كان النصر
انتصر النبي صلى الله عليه وسلم بدون قتال
نعم
فقد انتصر النبي صلى الله عليه وسلم بالرعب
فما أن سمع به جيش المشركون إلا ودب في قلوبهم الرعب وانسحبوا من المعركة وعسكر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في تبوك عشرين يوما حتى سمع بهم العرب
ثم عاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة منتصرا
وقد كشف الله أمر المنافقين وعاتب النبي صلى الله عليه وسلم في قبوله أعذارهم من غير أن يتبين له الصادقين من الكاذبين
وكان ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تخلفوا عن القتال من غير عذر
وهم كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية .
وكان عقابهم بأن قاطعهم المسلمون لمدة خمسين يوما وهي مدة تقارب مدة المسير فكان العقاب من جنس العمل
ثم كانت التوبة لهم من الله سبحانه وتعالى بصدقهم في موقفهم مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه وتعالى : وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
فكانت يوم توبتهم بآية تتلى إلى يوم القيامة هي خير يوم لهم في حياتهم
وهنا نتوقف
وربما يتسآل سائل فيقول ما علاقة الكلام الذي ورد بالعنوان وبشهر رمضان
العلاقة وثيقة
والمقارنة قائمة
فالأمر هنا وهناك من الله سبحانه وتعالى
فالجهاد طاعة
والصيام طاعة
والجزاء كذا هنا وهناك المغفرة
فالله يقول عن غزوة تبوك : لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة : 117]
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول عن شهر رمضان : من صام رمضان إيمانا وإحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه
والحر كان شديدا وهو أيضا الآن شديد
وقد استعد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه للمعركة
ومن أراد رمضان حقا فعليه بالاستعداد
وأما المنافقون فلم يعدوا العدة للجهاد
وكذلك من أدرك رمضان من غير استعداد فليخف على نفسه أن يفوته الشهر وتفوته الطاعة كما حصل مع المنافقين
والنبي صلى الله عليه وسلم قال خاب وخسر من أدرك رمضان ولم يغفر له
فعلينا أحبتي في الله أن نستحضر النوايا ونتذكر ما كان عليه الأولون وما فعلوا وكيف كان طاعتهم لله سبحانه وتعالى ونتذكر حال النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه في تلك المعركة وكيف كان فوزهم عظيما بالنصر في الدنيا وبالمغفرة والجنة يوم القيامة