الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين ، صلى الله وسلم عليه في العالمين ، وعلى آله وأصحابه والتابعين . . أما بعد :
فمن حَسُنَتْ خاتمته فهو إلى الجنة إن شاء الله ومن ساءت خاتمته فهو على خطر.
ولهذا جاء في صحيح مسلم من حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا " ، فالخاتمة هي المقصود ، أن يُختَم للعبد بما يحب الله عز وجل ويرضاه .
وإذا كان الأمر كذلك ، فإن حُسْنَ الخاتمه منوطٌ بمعرفتها ، يعني إحسان العبد خاتمته منوطٌ بمعرفتها ، أن يعرف متى تنتهي حياته حتى يستعد .
وإذا كان ذلك محالاً أن يعلم متى سيموت ، ومتى سينتهي ، كما قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [ لقمان34 ] ، فإذا كان الأمر كذلك ، والإنسان لا يدري متى يموت ، فإنَّ الواجب حينئذ أن يَحْذَرَ صباح مساء ، وليل نهار ، أن يختم له بسوء .
هذا هو عمل الأكياس ، وعمل الصالحين جعلنا الله عز وجل منهم ، وغَفَرَ لنا ذنوبنا ، أنهم يستعدون للخاتمة .
والاستعداد للخاتمة من وسائل النجاة ، وهما استعدادان :
1- استعدادٌ في صلاح القلب : وذلك بالعلم النافع الذي يُورِثْ في القلب العلم بالله عز وجل ومعرفته وأسمائه وصفاته وبيقين في ذلك .
2- استعدادٌ في صلاح العمل يعني : يمتثل الأمر ، ويجتنب ما نَهَى الله عنه ، أو نهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن يكون العمل خالصاً صواباً ، خالصاً لله ، ووفق منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن يستغفر من الذنوب والخطايا .
فمن داوم على ذلك ولزم طريق الاستقامة مات بإذن الله على خاتمة حسنة .
ونحن في هذه العجالة بصدد الحديث عن علامات حسن الخاتمه ، أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن حسنت خاتمته ، وقبل عمله ، وأجاره الله من عذاب القبر ، وعذاب النار . قال العلامة المحدث الشيخ / الألباني رحمه الله : " إن الشارع الحكيم قد جعل علامات بينات يستدل بها على حسن الخاتمه _ كتبها الله تعالى لنا بفضله ومنه _ فأيما امرئ مات بإحداها كانت بشارة له ، ويا لها من بشارة " .
وإليكم هذه العلامات :
علامات حسن الخاتمة
الأولى : النطق بالشهادة عند الموت :
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ " [ رواه أبو داود ] .
وقَالَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ لُقِّنَ عِنْدَ الْمَوْتِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ " [ رواه أحمد ] .
عَنْ أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ " [ رواه مسلم ] .
أقسام التلقين :
ينقسم التلقين إلى قسمين :
القسم الأول : تلقين أثناء الاحتضار :
وهو السنة ، ويكون برفق ولين ، وذلك بذكر الشهادة عند الميت حتى يتذكرها ويقولها ، بدون أمر له بذلك ، لأنه ربما يعاند ولا يقولها ، وربما كفر بها عند الموت والعياذ بالله .
وقال بعض العلماء : ذكره بأعماله الصالحة ، حتى يتذكرها ، ويحسن الظن بربه .
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلاَثٍ يَقُولُ : " لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللَّهِ الظَّنَّ " [ رواه مسلم ] .
القسم الثاني : تلقين بعد الدفن :
وهو بدعة لا أصل لها ، لأن من لم يحيا على لا إله إلا الله ، فلا ينفعه أن يلقنها بعد موته ، لأن القبر دار حساب ، لا دار عمل .
فمن الناس إذا مات له ميت ، وقف على قبره وقال : يا فلان ابن فلان تذكر ما خرجت عليه من الدنيا ، أنك تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وأن دينك الإسلام ، أو ما شابه ذلك ، وهذا أمر ليس عليه دليل يُعتمد عليه ، فعليه فهو بدعة لا أصل لها .
قصة النطق بالشهادة :
خرج رجلُ من الصالحين ، خرج بزوجته وكانت صائمة قائمة وليّة من أولياء الله ، خرج يريد العمرة ، والغريب في تلك السفرة أنها ودعت أطفالها ، وكتبت وصيتها ، وقبلت أطفالها وهي تبكي ، كأنه ألقي في خلدها أنها سوف تموت { ثم ردوا إلى لله مولاهم الحق ، ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين } ، ذهب واعتمر بزوجته ، وهو وإياها في بيت أسس على التقوى ، إيمان وقرآن وذكر وصيام وقيام وعبادة ، لا يعرفون الغيبة ولا الفاحشة ولا المعاصي ، عاد معها فلما كان في الطريق إلى الرياض ، أتى الأجل المحتوم إلى زوجته { وعد الله الذي لا يخلف الله وعده ولكن كثر الناس لا يعلمون * يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون } ، ذهب إطار السيارة فانقلبت ووقعت المرأة على رأسها ، { أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون } ، خرج زوجها من الباب الآخر ، ووقف عليها وهي في سكرات الموت تقول : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، وتقول لزوجها : عفى الله عنك ، اللقاء في الجنة ، بلغ أهلي السلام ، وخرجت روحها إلى بارئها .
قصة المؤذن :
عن عبد الله بن أحمد المؤذن رحمه الله قال : كنت أطوف حول الكعبة ، وإذا برجل متعلق بأستارها وهو يقول : اللهم أخرجني من الدنيا مسلماً ، لا يزيد على ذلك شيئاً ، فقلت له : ألا تزيد على هذا من الدعاء شيئاً ؟ فقال : لو علمت قصتي ، فقلت له : و ما قصتك ؟ قال : كان لي أخوان وكان الأكبر منهما مؤذناً ، أذن أربعين سنة احتساباً ، فلما حضره الموت دعا بالمصحف ، فظننا أنه يريد التبرك به ، فأخذه بيده وأشهد على نفسه ، أنه برئ مما فيه فمات من فوره ، ثم أذن أخي الآخر ثلاثين سنة ، فلما حضرته الوفاة ، فعل كأخيه الأكبر _ نعوذ بالله من مكر الله _ فأنا أدعو الله أن يحفظ علي ديني ، قلت : فما كان ذنبهما ؟ قال : كانا يتابعان عورات النساء ، وينظران إلى الشباب _ المقصود نظر شهوة وعشق وحب للحرام _ اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا غير غضبان يا كريم يا منان .
المؤذن قديماً كان يصعد على سطح المسجد ، فلذلك يرى عورات البيوت ، وما فيها من محارم ، وأولئك لم يغضوا أبصارهم ، وعموماً علينا أن نتقي الله تعالى أئمة ومؤذنين وخطباء وغير ذلك ، فالعبرة بالخواتيم .
قصة طالبة الجامعة :
في إحدى كليات البنات في منطقة أبها ، كان أحد الدكاترة مسترسلاً في قصة ماشطة بنت فرعون ، حين دعاها فرعون فقال لها : يا فلانة , أولك رب غيري ؟ قالت : نعم ، ربي وربك الله عز وجل الذي في السماء، فأمر بقدر من نحاس فيه زيت ، فأحمي حتى غلي الزيت ، ثم أمر بها لتلقى هي وأولادها فيها ، فقالت : إن لي إليك حاجة , قال : وما هي ؟ قالت : أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد وتدفننا ، قال : ذلك لك علينا ، لما لك علينا من حق ، فأمر بأولادها فألقوا في القدر بين يديها واحداً واحداً , وهي ترى عظام أولادها طافية فوق الزيت ، وتنظر صابرة ، إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها رضيع ، وكأنها تقاعست من أجله , فقال الصبي : يا أمه , قعي ولا تقاعسي , اصبري فإنك على الحق , اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة , ثم ألقيت مع ولدها .
فإذا بالصراخ والبكاء يهز أركان القاعة ، فالتفتوا فإذا هي إحدى الطالبات ، وعليها لبس مشين ، قد بكت حتى سقطت على الأرض ، فاجتمعت عليها الطالبات فأخرجوها خارج القاعة حتى هدأت وسكنت ، ثم أعادوها ، والشيخ مازال مسترسلاً يذكر ما لهذه المرأة المؤمنة من نعيم ، فلقد احتسبت أولادها الخمسة ، لكي لا ترجع عن دين الله ، ثم مزق الزيت المغلي لحمها ، وهي راضية بذلك ، فإذا بالصراخ يتعالى والبكاء مسموع ، وإذا هي نفس الطالبة ، بكت حتى سقطت على الأرض ، فاجتمعت عليها الطالبات فأخرجوها خارج القاعة حتى هدأت وسكنت ، ثم أعادوها والشيخ يتحدث عن نعيم الجنة وما يقابله من عذاب النار ، فصرخت هذه الفتاة مرة أخرى ثم سقطت صامتة ، لا تحرك شفة ، اجتمعت عليها زميلاتها من الطالبات، وهن ينادونها : فلانة ، فلانة ، ولكنها لم تجب بكلمة ، وكأنها في ساعة احتضار ، لقد شخصت ببصرها إلى السماء ، أيقنوا أنها ساعة الاحتضار ، أخذوا يلقنونها الشهادة : قولي لا إله إلا الله ، اشهدي أن لا إله إلا الله ، لكن لا مجيب ، وزاد شخوص بصرها ، فأعادوا عليها : اشهدي أن لا إله إلا الله ، اشهدي أن لا إله إلا الله ، نظرت إليهم وقالت: أشهد ، أشهد ، أُشهدكم أنني أرى مقعدي من النار ، أُشهدكم أنني أرى مقعدي من النار ، أُشهدكم أنني أرى مقعدي من النار .
الثانية : الموت بعرق الجبين :
لحديث بُرَيْدَةَ بن الحصيب رضي الله عنه ، أَنَّهُ كَانَ بِخُرَاسَانَ ، فَعَادَ أَخاً لَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ ، فَوَجَدَهُ بِالْمَوْتِ ، وَإِذَا هُوَ يَعْرَقُ جَبِينُهُ فَقَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَوْتُ الْمُؤْمِنِ بِعَرَقِ الْجَبِينِ " [ رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد ، وحسنه الترمذي ، وصححه الألباني ] .
كم هم الذين يموتون بعرق الجبين ، ويدفنون ، ويتغطى قبورهم بالتراب ، ثم ترش بقليل من الماء .
وهناك مأساة أيها الأخوة جد مأساة ، قصة خطيرة في سوء الخاتمة إليكموها للعظة والعبرة .
قصة غريبة :
يقول راوي القصة : لي صديق حميم في مكانة الأخ ، مات في حادث سير ، تغمده الله بواسع رحمته ، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان ، هذا الصديق لديه مجموعة بريدية إباحية ، ولديه موقع إباحي يحتوي على صور جنسية ، المصيبة أننا لا نعرف الرمز السري لتلك المواقع ، نريد إتلافها ، ولم نستطع ، كان هذا الرجل محمولاً على النعش ، ومجموعته تستقبل صوراً جنسية _ لا حول ولا قوة إلا بالله _ والدته رأت في المنام صبية يمرون على قبره ويتبولون فوقه ، المسكينة لا تدري عن خفايا الأمور ، والله إن هؤلاء الصبية الذين يتبولون على قبره ، هم الذين يرسلون الآن تلك الصور لمجموعته ، يقول : خاطبنا الشركة المستضيفة للموقع ، وكان ردهم : أنهم لا يستطيعون عمل شيء ، الرجل مات ، وآثاره تدمي قلوبنا ، وإلى متى سيبقى هذا الحال ، تلك المجموعة الخبيثة ، والموقع القذر أساءت له ، وهذا من زيغ شياطين الجن والإنس ، يقول : حسبي الله على من أغواه في إنشاء تلك المواقع ، ويقول : نرجو نشر هذه القصة ليتدارك الأحياء وضعهم قبل فوات الأوان ، ومن عنده موقع إباحي أو مجموعة بريدية إباحية ، أو مشترك معها ، أقول له : أقسم بالله العلي العظيم ، أنه لن ينفعك هؤلاء الأشرار ، بل سوف يزيدونك حسرة وندامة في يوم لا ينفع الندم .
الثالثة : الموت ليلة الجمعة أو نهارها :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ، إِلاَّ وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ " [ رواه الترمذي ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 5773 ] . وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم في المسلم ، أي : من هو المسلم .
عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما يَقُولُ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ " [ متفق عليه ] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَاناً ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ ، التَّقْوَى هَا هُنَا _ وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ _ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ : دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ " [ رواه مسلم ] .
قصة الراقصة :
هذا هو المسلم الذي إذا مات يوم الجمعة وليلتها وقاه الله فتنة القبر .
المعروف عند الناس اليوم أن ليلة الجمعة ليالي زفاف وأفراح ، لكن ربما كانت ليلة الجمعة ليلة سوداء قاتمة لبعض الناس والعياذ بالله ، وإليكم هذه القصة التي تشيب منها الرؤوس :
كان هناك عرس في أحد قصور الأفراح ، وكانت هناك مدعوة بدأت ترقص على كل الأغاني ، من بداية الليل ، واستمرت على حالها هذا عدة ساعات ، وهي لابسة ملابس الرقص ، حيث ما كان فستانها ، إلا قطعاً بسيطة تستر بعض جسدها ، فهي من الكاسيات العاريات والعياذ بالله ، وقد استمرت في رقصها حتى سقطت مغشية على الكوشة ، قبل أن تأتي العروس ، فأخذت الحاضرات يفقنها ولكن بدون فائدة ، فتقدمت إحدى زميلات هذه المدعوة إلى الكوشة فقالت : أنا أعرف كيف تفيق ، فقط زيدوا من الموسيقى والطبل حول أذنيها ، فهي ستنتعش وتفيق ، فزادوا صوت الموسيقى حولها لعدة دقائق ولكن دون جدوى ، فكشفت عليها بعض الحاضرات فوجدوها ميتة ، ماتت وهي شبه عارية ، فأسرعت الحاضرات بتغطيتها جسدها ، ولكن حدثت المفاجأة التي لم يكن يتوقعها أحد ، كلما غطوها انكشفت الجثة ، لا يبقى عليها لباس ، لم تثبت عليها العبي التي غُطت بها ، كلما غطوها تطايرت العبي ، كلما حاولوا تغطيتها ترتفع من جهة ، ثم من جهة أخرى ، فتنقلب مرة من جهة الصدر ، ومرة من جهة الفخذين ، ومرة من جهة الرأس ، ومرة من جهة الأرجل وهكذا ، واستمر الحال على ذلك وسط رعب الحاضرات ، وفي هذه الأثناء أرسلوا إلى زوجها ، فحضر زوجها مسرعاً وحاول تغطية عِرضه بشماغه ، فيمسك طرفاً منه ، ويرتفع الطرف الآخر ، ويمسك الثالث ، فيرتفع الرابع ، واستمر الحال على ذلك ، حتى أخذوها للغسل والدفن .
والمفاجئة الثانية كانت بعد الغسل وأثناء التكفين ، فكلما وضعوا الكفن عليها ، ارتفع وانكشفت ، فحاولوا مراراً ، ولكن بدون جدوى ، فقيل لهم : تدفن كما هي ، فقد كانت في الدنيا عارية ، فتخرج منها عارية ، وتدخل القبر عارية ، والعمل بالخواتيم ، فهذا نصيبها ، وهذا ما اكتسبته من الدنيا ، والعياذ بالله ، فدفنت على حالها عارية ، تقول راوية القصة : أرجو من الجميع الاعتبار والاتعاظ من هذه القصة ، والحذر من شر الدنيا وزينتها ، اللهم إنا نسألك حسن الخاتمه .
الرابعة : الاستشهاد في ساحة القتال :
قال الله تعالى : { َلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ } ] آل عمران 169-171 ] .
وعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ : " يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ من دمه ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ " [ رواه الترمذي وابن ماجة ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 5182 ] .
ووردت روايات أخرى تدل على خصال الشهيد عند الله تعالى وجمعها كما يلي :
1 - يغفر له في أول دفعة من دمه .
2 - ويُرى مقعده من الجنة .
3 - ويحلى حلية الإيمان .
4 - ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين .
5 - ويجار من عذاب القبر .
6 - ويأمن من الفزع الأكبر .
7 - ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها .
8 - ويشفع في سبعين إنساناً من أهله وأقربائه .
فائدة مهمة :
ومما يجب ذكره هنا ، أن من سأل الله الشهادة بصدق ، فإنه يبلغ منزلة الشهيد ، ولو لم يجاهد حقاً ، ودليل ذلك :
عن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ ، بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ " [ رواه مسلم ] .
تنبيه مهم :
الخطير في الموضوع هو هذا الحديث :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِغَزْوٍ ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةِ نِفَاقٍ " [ رواه مسلم وأبو داود والنسائي ] .
قَالَ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك : فَنُرَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وقال النووي رحمه الله تعقيباً على كلام بن المبارك رحمه الله : " وَالْمُرَاد : أَنَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ أَشْبَهَ الْمُنَافِقِينَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الْجِهَاد فِي هَذَا الْوَصْف ، فَإِنَّ تَرْك الْجِهَاد أَحَد شُعَب النِّفَاق " .
وقال سماحة العلامة الشيخ / عبد العزيز بن باز رحمه الله : " في الحديثين _ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا تبايعتم بالعينة ، وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد ، سلط الله عليكم ذلاً ، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " [ رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن القطان ، وقال الحافظ في البلوغ : رجاله ثقات ] .
في الحديثين : الدلالة على أن الإعراض عن الجهاد ، وعدم تحديث النفس به ، من شعب النفاق ، وأن التشاغل عنه بالتجارة والزراعة والمعاملة الربوية ، من أسباب ذل المسلمين ، وتسليط الأعداء عليهم كما هو الواقع ، وأن ذلك الذل لا ينزع عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم ، بالاستقامة على أمره ، والجهاد في سبيله ، فنسأل الله أن يمن على المسلمين جميعاً بالرجوع إلى دينه ، وأن يصلح قادتهم ، ويصلح لهم البطانة ، ويجمع كلمتهم على الحق ، ويوفقهم جميعاً للفقه في الدين ، والجهاد في سبيل رب العالمين ، حتى يعزهم الله ، ويرفع عنهم الذل ، ويكتب لهم النصر على أعدائه وأعدائهم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه . وللعلم : فالجهاد أقسام : بالنفس ، والمال ، والدعاء ، والتوجيه والإرشاد ، والإعانة على الخير من أي طريق ، وأعظم الجهاد : الجهاد بالنفس ، ثم الجهاد بالمال والجهاد بالرأي والتوجيه ، والدعوة كذلك من الجهاد ، فالجهاد بالنفس أعلاها .