الانتخابات البرلمانية في مصر موسم يأتي للفقراء والمحتاجين ببعض الهدايا والعطايا، حيث تظهر على معظم السياسيين في السلطة أو خارجها أعراض الكرم، سواء في الإنفاق "الكاش" أم منح الوعود بإنفاق مستقبلي.
فلسان حالهم يقول: "أعطني صوتك وسأعين ابنك في الحكومة، أو سأتوسط لكي يعمل لدى أصدقائي في القطاع الخاص، سآتي لك بأموال الدولة لكي تبني لك مدرسة في الحي أو سأدفع لك على الفور 20 جنيها
لا شك أن المال يشكل إحدى أهم أدوات المعركة الانتخابية في مصر. فعلاقة السياسيين في مصر بالناخبين تدخل فيها الرشوة. والرشوة لا بد أن تكون مذمومة في الاقتصاد كما في السياسة. ولكن ذم ظاهرة ما لا يكفي للقضاء عليها، خاصة عندما يكون انتشارها مبنيا على ظروف موضوعية وتربة خصبة حاضنة لها.
يأتي الفقر على رأس عوامل استفحال الظاهرة. فالفقر يقلل من مساحة الحرية والاختيار أمام الإنسان، ويجعله يختار مصلحته قصيرة الأجل على حساب مصلحته ذات الأجل الطويل.
فعندما أكون جوعان لن أملك ترف التفكير في الغد؛ فالمهم هو إسكات معدتي. لذلك عندما يقدم لي مرشح رغيفا من الخبز فغالبا سأقبل هذا الرغيف، حتى ولو كان الثمن هو إعطاءه صوتي في الانتخابات، أي منحه شرعية القيام بدور تشريعي ورقابي.
صوت مقابل عائد
ولكي تكتمل معادلة الرشوة الانتخابية (صوت مقابل عائد) يجب أن يكون فيها طرف يستحوذ على موارد يستطيع بها استمالة الفقير. وهنا نحن أمام طرفين أساسيين، الحزب الوطني ورجال الأعمال. هذا الحزب يمسك بزمام الدولة وخزائنها؛ لذلك فانتخاب عضو بالحزب الوطني قد يتيح لأهالي الدائرة الحصول على بعض الخدمات التي لم تقدمها لهم الدولة، كمدرسة أو كوبري وخلافه.
أما المرشحون من رجال الأعمال فباستطاعتهم أن ينفقوا بسخاء على أهالي الدائرة في أثناء الانتخابات. وبما أن خزائن الدولة بدأت تميل إلى الجفاف؛ لذلك لم يعد انتخاب الذين لهم علاقات وثيقة مع الدولة يعود على الناس بنفع كبير.
هكذا يصبح تفضيل رجال الأعمال الذين يرقدون على خزائن عامرة هو السلوك الرشيد. هذا ما يفسر ميل أعداد رجال الأعمال في مجلس الشعب إلى التزايد؛ فلديهم 77 مقعدا في مجلس 2000-2005 مقابل 37 مقعدا في مجلس 1995-2000. ويتبقى أسابيع لكي نعرف عددهم في مجلس 2005-2010.
بعبارة أخرى، تميل "القدرة الشرائية السياسية" للدولة في الأفول لصالح رجال الأعمال. هذا ما يفسر إلى حد كبير المساعي الحثيثة التي يقوم بها الحزب الوطني حاليا خاصة أمانة السياسات لجذب رجال أعمال إلى صفوف الحزب. هكذا رأينا في السنوات الماضية ولأول مرة منذ انقلاب يوليو 1952 رجال أعمال يتولون مناصب مثل رئاسة لجان نوعية مهمة في مجلس الشعب مثل لجنة الخطة والموازنة (أحمد عز) ولجنة التعليم (حسام بدراوي).