وروي عنه أنه احتبس عن الناس يوم الجمعة فخرج يعتذر إليهم ويقول: إنما احتبست؛ لأني غسلت ثوبي –يعني قميصه- فهذا هو الزهد العالي لـعمر بن الخطاب أمير المؤمنين ما عنده إلا ثوب واحد فقط.
ولذلك جعل الله جل وعلا خلافته فتحاً، وفتح الدنيا بأسرها في مدة وجيزة من عمر الزمن وقلدهم رقاب كسرى وقيصر؛ لأنهم باعوا الدنيا بحق لله جل في علاه.
هذا وخزانة الدنيا بأسرها في يده وليس معه إلا ثوب واحد يغسله حتى يذهب يصلي.
سبحان الله! والله لن تصلح هذه الأمة إلا بما صلح به الأولون، وقال أنس : رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه وقد رقع بين كتفيه بثلاث رقاع قد لبد بعضها فوق بعض.
ويروى عنه رضي الله عنه وأرضاه أنه كان يقول: لا تأكلوا الدقيق فإنه طعام الكل، أي: أنه لا يستطيب النقي منه، بل يقال إنه كان يأكل الخل والزيت ويقول لبطنه: قرقري كيفما شئت والله! ما لك إلا هذا من الطعام رضي الله عنه وأرضاه.
وورد أنه شرد بعير من بعير الصدقة و عثمان بن عفان يستظل في بيته وهو وسط حر الرمضاء فيقول: من هذا المجنون الذي يقف في وسط حر الرمضاء فنظر فإذا هو أمير المؤمنين فنادى: يا أمير المؤمنين! ما الذي تفعله في هذا الحر الشديد، فقال: بعير من بعير الصدقة قد شرد، قال: مر أحد عمالك يرده عليك، فقال: أو عمالي يجيبون عني أمام ربي؟ فاستجمع ثيابه في فمه ثم أخذ يسرع خلف البعير حتى رده إلى مكان الصدقة، فرحم الله عمر بن الخطاب .
قال طاوس : أجدب الناس على عهد عمر فما أكل سميناً حتى أكل الناس، أي: ما أكل لحماً حتى أكل الناس ويرى نفسه أحد الرعية فيخشى أن يتقدم عليها حتى في الطعام، وكان عمر يدني يده من النار ويقول: { يا ابن الخطاب ! ألك صبر على هذا؟ } .
ولابد النظر من في أسانيدها، فالأصل عند المحدثين التساهل في الأسانيد في مسألة التراجم، وقد كان للذهبي في سير أعلام النبلاء ينقل كثيراً عن كرامات الإمام أحمد وكثير من أسانيدها متكلم فيها بل فيها هلكى ووضاعين.
ويروى عنه أنه لما قدم الشام لقيه الجنود وعليه إزار وعمامة وخفان وهو آخذ برأس راحلته يخوض الماء وقد خلع خفيه وجعلهما تحت إبطيه، فقالوا: له يا أمير المؤمنين! الآن يلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على هذه الحال. فقال: إنا قوم قد أعزنا الله بالإسلام مهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
هذه كلمات تكتب بماء الذهب و أبو عبيدة بن الجراح أمين الأمة هو الذي استدرك على عمر بن الخطاب عندما وجد المخاضة وأراد أن يعبر عمر هذه المخاضة فوجده قد انتعل فأسقط نعله ثم مر على المخاضة، فقال: ما لي أراك يا أمير المؤمنين تسير بهذه الهيئة والله! ما أرى البطارقة ينظرون إليك بهذا النظر، فقال: لو غيرك قالها! إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين، ولو ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله وكلامه نبراس نبراساً لكل مؤمن تقي يريد العزة والرفعة لهذه الأمة سيتذكر قول الله تعالى (( أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ))[النساء:139].
اللهم أعزنا بدينك وبطاعتك يا رب العالمين.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: رأيت عمر بن الخطاب يعدو على قدمه فقلت: يا أمير المؤمنين! إلى أين؟ فقال: ند بعير من الصدقة فأنا أطلبه. فقال: لقد أتعبت الخلفاء بعدك يا أمير المؤمنين، وحق له أن يقول ذلك، فقال: لا تلمني يا أبا الحسن فوالذي بعث محمداً بالنبوة أن سخلة ذهبت بشاطئ الفرات لأخذ بها عمر يوم القيامة، ألا أنه لا حرمة لوال ضيع المسلمين.
وهذا مصداقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: { ما من راع استرعاه الله على رعية فمات يوم مات وهو غاش لها لم يرح رائحة الجنة }.
قال عمر بن الخطاب لـمعاوية بعد أن سأله عن سبب قلة نومه: إن نمت بالنهار صنعت الرعية، وإن نمت بالليل ضيعت نفسي فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية ؟!
وقد أخذ عمر بنصيحة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه عندما قال له وهو على فراش الموت: يا عمر ! إن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وإن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، فأخذ بالنصيحة وعلم أن الليل بينه وبين ربه وأما بالنهار فهو للرعية.
ولذلك قال المؤرخون: عن بعض الصحابة كنا نرى خطين أسودين على خدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه من البكاء والورع والتقى.
وروي عنه أنه طاف ليلة فإذا هو بامرأة في جوف دارها حولها صبية يبكون وهي توقد تحت قدر لها، فأتى من الباب وقال: يا أمة الله! ما بكاء هؤلاء الصبية؟ فقالت: من الجوع. فقال: ما في هذه القدر قالت: جعلت فيها ماء أوهمهم أن فيها شيئاً وأعللهم حتى يناموا، فجلس عمر وبكى، ثم ذهب إلى بيت مال المسلمين فأخذ غرارة وجعل فيها شيئاً من دقيق وسمن وشحم وتمر وثياب ودراهم حتى ملأ الغرارة، ثم قال: يا أسلم ! احمل علي. قال أسلم : يا أمير المؤمنين أنا أحمله عنك، فقال لي: لا أم لك يا أسلم ، أنا أحمله؛ لأني أنا المسئول عنه في الآخرة، قال: فحمله على صلبه حتى أتى منزل المرأة فأخذ القدر فجعل فيها دقيقاً وشيئاً من شحم وتمر وجعل يحركه وينفخ تحت القدر. قال أسلم : وكانت لحيته عظيمة فلقد رأيت الدخان يخرج من خلال لحيته حتى طبخ لهم، ثم جعل يغرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا، ثم خرج وربض بحذائهم كأنه سبع، وخفت منه أن أكلمه، فلم يزل كذلك حتى لعب الصبيان وضحكوا، ثم قال: يا أسلم ! هل تدري لم ربضت بحذائهم؟ قلت: لا يا أمير المؤمنين قال: كنت قد رأيتهم يبكون فكرهت أن أذهب وأدعهم حتى أراهم يضحكون، فلما ضحكوا طابت نفسي، عليك رضوان الله يا أمير المؤمنين قد أتعب حقاً من بعده ولم يصل أحد إلى ما وصل إليه.
كفانا فخراً بـعمر بن الخطاب وهو على فراش الموت بعدما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي عليه من الله سحائب اللعان تنزل تترى بعدما شرب اللبن فخرج من نفس الفتحة التي طعن فيها، دخل عليه شاب فقال: أبشر يا أمير المؤمنين! كنت كذا وكنت كذا وكنت كذا وبعدما بشره لم يستح أن ينكر عليه المنكر الذي وقع فيه، فنظر إليه فوجد ثوبه مسترخياً أي: كان مسبلاً، فقال له: يا بني! ارفع ثوبك أرضى لربك وأنقى لثوبك.
انظروا كيف عمر بن الخطاب وهو يعمل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: { لو كان في يد أحدكم فسيلة } فكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وهذا كان يبشره بالجنة وبفضائل أعماله، ما حمله ذلك على الاستحياء منه.
وهذه فيها دلالة قوية قاطعة النزاع عن الخلاف الذي ظهر بين الفقهاء في تحريم إسبال الثياب.
وفاء عمر :-
أختم بموت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، يروى أنه لما حضرت وفاته قال لابنه عبد الله ورأسه في حجره: ضع خدي في الأرض، فقال: يا أبتاه: إن خدك من الأرض لقريب، فهو على فخذ ابن عمر فقال: ضع خدي بالأرض لا أم لك، فوضع خده بالأرض، ثم قال: ويل لـعمر وويل لـعمر ، في رواية أخرى، قال: ويل أمي ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي، قال: ويل لـعمر إن لم يغفر الله له ثلاث مرات، فقام رجل من القوم فقال: تقدم والله! يا أمير المؤمنين على ما يسرك وتقر به عينك، فقال: وما يدريك ويحك، فقال ابن عباس : وما لك لا تدري وقد عشت حميداً وذهبت فقيداً أي: شهيداً وعملت بالحق، فقال عمر للقوم: أتعرفون ما قال ابن عباس ؟ قالوا: نعم، قال: لو احتجت إلى شهادتكم عند ربي أكنتم تشهدون لي بما قال؟ قالوا اللهم نعم، فرفع ثم قال: الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! ثم قال: يا عبد الله ! ائت عائشة وقل لها: إن عمر يقرؤك السلام، ويقول لك: إنا قد نهينا أن ندخل بيوتكن إلا بإذن، أفتأذني لي أن أدفن في بيتك مع صاحبي؟ فقال عبد الله : فأتيتها فقلت لها ذلك فبكت حتى علا بكاؤها، ثم قالت: نعم والله! ما كنت أعددته إلا لي ولأوثرنه به على نفسي. قال: فأتيته وأخبرته. فقال: يا بني! إني أرى المرأة أذنت لنا وهي ترى أني أبقى، فإذا مت فاغسلني وكفني فإذا حملتني فتقدم السرير ثم قل لها: هذا عمر يستأذن على الباب فإن أذنت لي فادفني مع صاحبيَّ، وإن أبت فأخرجني إلى البقيع.
وختاماً نقول أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه الوزير الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم عندما رآه ورأى أبا بكر قال: هذان سيدا كهول أهل الجنة رضي الله عنهما قال عبد الله بن مسعود : كان إسلام عمر فتحاً، وكانت هجرته نصراً، وكانت خلافته رحمة.
ويروى أن رجلاً قال لـعمر جزاك الله عن الإسلام خيراً. قال: بل جزى الله عني الإسلام خيراً.
انظروا إلى من يرى نعائم الله ويضعها في موضعها، والله لو متنا ليل نهار نلهج بذكر الله بحمد الله على نعمة الإسلام ما وفينا هذه النعمة.
وقال بعضهم قلت لـابن عباس : صف لي عمر بن الخطاب ، فقال: كان عمر كالطير الحذر قد علم أنه قد نصب له في كل وجه شرك، كان يعمل لكل يوم بما فيه؛ لأن الشيطان لا يتركه، فالشيطان في كل مرصد يقعد له، وكان يعمل لكل يوم بما فيه كأنه في حلبة السباق.