الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أنّ محمَّداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً، أمَّا بعدُ:
اخواني
اتقوا الله تعالى، واعلموا أنكم ملاقوه، وأنكم مجزيّون بأعمالكم، ومحاسبون على ما أسلفتم: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). [سورة فصلت، الآية: 40].
اخواني
إنّ من كان بالله أعرف كان منه أخوف، ولهذا يقول تعالى عن أنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ). [سورة الأنبياء، الآية: 90].
وكان نبينا صلى الله عليه وسلّم إذا صلى يُسمع لصدره أزيزٌ كأزيز المِرجل من الخوف والخشية، فعن عبد الله بن الشخير، قال: "انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، ولصدره أزيزٌ كأزيز المِرجل". [أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي].
وعن حذيفة بن اليمان، قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزَبَه أمر صلّى". [حديث حسن، أخرجه أحمد وأبو داوود].
وإذا كان يوم الريح والغيم عُرف ذلك في وجهه، وأقبل وأدبر، فإذا أمطرت سُرَّ به وذهب عنه ذلك، قالت عائشة رضي الله عنها: "فسألتُه، فقال: إنِّي خشيتُ أن يكون عذاباً سُلِّط على أُمَّتي". ويقول: إنَّ المطر رحمة". [رواه مسلم 899 كتاب الاستسقاء]. وفي رواية: "وإذا تخيَّلت السماء تغير لونه، وخرج ودخل وأقبل وأدبر، فسألته عن ذلك فقال: "لعله يا عائشة كما قال قوم عاد: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا) ". وفي رواية عند مسلم أيضاً: "يا عائشة مَا يُؤمنني أن يكون فيه عَذاب، قد عُذِّب قومٌ بالريح، وقد رأى قومٌ العذابَ فقالوا: (هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا) ".
وهو القائل صلى الله عليه وسلّم: "واللهِ لَأنَا أعلمُهم بالله وأشدُّهم له خشية".
وذات يوم قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلّم: "أوصني. فقال له: "أوصيكَ أن تَستحي منَ اللهِ كما تستَحي رجلاً صالحاً من قومِك". إسناده جيد [رواه أحمد في الزهد والبيهقي في الشعب، وقال الألباني في الصحيحة 741: إسناده جيد، وهو في صحيح الجامع 2/343].
والخوف من الله وحده وترك المحرمات من أجله سببٌ في تفريج الكربة وإجابة الدعاء، ففي حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة فسدَّت باب الغار، وفيه خبر الرجل الذي جلس مع ابنة عمِّه مجلس الرجل من امرأته، وقد هُيِّئت له أسباب المعصية وفعل الفاحشة، فلما ذكَّرته بالله والمقام بين يديه قام عنها وهي من أحب الناس إليه طلباً لثواب الله وخوفاً من عذابه، فاستُجيب دعاؤه.
ولقد كان من أخلاق سلفنا الصالح - رحمهم الله- الخوف من الله، حتى أُثِر عن جمعٍ من الصحابة أنهم كانوا يتمنون أنهم لم يُخلقوا.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه "يمرُّ بالآية من ورده فيُعاد أياماً وما به من مرضٍ إنما هو الخوف".
وقال صالح بن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: "كان أبي إذا دعا له رجلٌ يقول: الأعمال بخواتيمها، اللهم سلم سلم". وكان يقول: "الخوف يمنعني من أكل الطعام والشراب فما أشتهيه".
بل حتى صغارهم وغِلمانهم تربَّوا على الخوف من الجليل فحجزهم ذلك عن الحرام، وأورثهم البكاء من خشية الله، فهذا عمر بن عبد العزيز- رحمه الله- "بكى وهو غلام صغير فسألته أمه: ما يبكيك؟! فقال: ذكرت الموت. فبكت أمه عند ذلك، وكان قد حفظ القرآن".
و "مرّ الحارث المحاسِبِيُّ، وهو صبي صغير بصبيان يلعبون عند باب رجل يبيع التَّمر، فوقف الحارث ينظر إلى لعبهم، فخرج صاحب الدار ومعه تمرات فقال للحارث: كُلْ هذه التمرات فقال الحارث: ما خبرك فيها؟! فقال التمَّار: إني بعت الساعة تمراً على رجل فسقطت من تمره. فقال الحارث: أتعرفه؟! قال: نعم. فالتفت الحارث إلى الصبيان يلعبون وقال: أهذا الرجل مسلم؟! قالوا: نعم. فذهب وتركه فتبعه هذا التمَّار حتى أمسكه وقال له: والله ما تنفلِتُ أيها الغلام من يدي حتى تقول لي ما في نفسك عليّ. فقال هذا الغلام: يا شيخ: إن كنت مسلماً حقَّاً فاطلب صاحب التمرات حتى تتخلص من تبعته كما تطلب الماء إذا كنت عطشان شديد العطش، يا شيخ: أين الخوف من الله؟!. تُطعم أولاد المسلمين السُّحت وأنت مسلم. فقال الرجل: والله لا اتَّجرتُ من أجل الدنيا أبدا".
فالله المستعان وحده، أين الخوف من الجبار- جل جلاله وتقدست أسماؤه - عند من يتبايعون بالمحرم، ويأكلون السحت، ويأخذون الربا، ويمنعون الزكاة؟!.
أين حقيقة الخوف من الجليل- سبحانه - عند المتهاونين بالصلاة التي هي عمود الإسلام، وأول ما يحاسب عليه الإنسان؟! وقُل مثل ذلك عند من يؤذون المسلمين بأقوالهم وأفعالهم واستهزائهم.
هل خاف مقام ربه: من يجاهر بالمعصية وفعل المنكر، ومن يستمع إلى المحرم ويشاهد عبر الأفلام والقنوات والمسلسلات ما يفسد الدين والأخلاق؟!.
أوَ ما علم هؤلاء وأمثالهم من أصحاب المعاصي أن الله يعلم ما في أنفسهم وأنهم بين يدي الله موقوفون، وعن أفعالهم محاسبون؟!.
أما يخافون من سوء الخاتمة عندما ينزل بهم الموت فيندمون؟!، ولات ساعة مندم!.
فيا أيها المُريد لنجاةِ نفسِه: بادر، ثم بادر بتوبة صادقة، وإنابة عاجلة قبل أن يحال بينك وبين ذلك.
اخواني
مُروا بالمعروف، وانهَوا عن المنكر، وخذوا على أيدي السفهاء قبل أن ينزل بنا من العقوبات ما لا طاقة لنا به، وعظّموا أمر الله سبحانه، وعلِّموا مَن تحت أيديكم ذلك.
وفقنا الله وإياكم لما يرضيه، وجنبنا أسباب سخطه.
اللهم تب على التائبين، واغفر ذنوب المستغفرين.
اللهم اهدنا، ويسّر الهدى لنا، وثبتنا على الإسلام حتى نلقاك عليه.