القسامة : مصدر أقسم قسما وقسامة ومعناه حلف حلفا والمراد بالقسامة ههنا الأيمان المكررة في دعوى القتل قال القاضي : هي الأيمان إذا كثرت على وجه المبالغة .
ومن أمثلة ما ذكره أهل الأخبار عن القسامة والعقوبة المعجلة التي تلحق بصاحب اليمين الكاذبة، ما ذكروه عن استئجار رجل من قريش، اسمه خداش بن عبد الله بن أبي قيس العامري وفي رواية رجلًا من بني هاشم، فانطلق الأجير معه في إبله إلى الشام ، فمر رجل به من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه ، فقال للأجير: أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي" الوعاء من جلود وثياب وغيرها "، فأعطاه عقالًا، فشد به جوالقه. فلما نزلوا، عقلت الإبل، إلا بعيرًا واحدًا. فقال الذي استأجره: ما شأن هذا البعير لم يعقل من بين الإبل؟ قال الأجير: ليس له عقال. قال المستأجر له: فأين عقاله؟ قال: مر بي رجل من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه فاستغاثني فقال: أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي لا تنفر الإبل؟ فأعطيته عقالا، فحذفه بعصا فأصابه بمقتل واشرف الأجير على الموت وكان فيها أجله بعد ذلك . فمرّ به رجل من أهل اليمن فقال: أتشهد الموسم؟ قال: ربما شهدته. قال. هل أنت مبلغ عني رسالة مرة من الدهر؟ قال: نعم. قال: إذا شهدت الموسم فناد: يا آل قريش؟ فإذا أجابوك، فنادِ: يا آل بني هاشم؟ فإن أجابوك، فاسأل عن أبي طالب، فأخبره أن فلانًا قتلني في عقال. ومات المستأجر.
فلما قدم الذي استأجره، أتاه أبو طالب، فقال له: ما فعل صاحبنا؟ قال: مرض، فأحسنت القيام عليه، وتوفي، فوليت دفنه، قال أبو طالب: قد كان أهل ذاك منك، فمكث حينًا، ثم إن الرجل اليماني الذي أوصى إليه أن يبلغ عنه فى الموسم ، فقال: يا آل قريش؟ قالوا له: هذه قريش. قال: يا آل بني هاشم؟ قالوا: هذه بنو هاشم. قال: أين أبو طالب؟ قالوا: هذا أبو طالب. قال له: أمرني فلان أن أبلغك رسالة: أن فلانًا قتله في عقال. فأخبره بالقصة، وخداش يطوف بالبيت، لا يعلم بما كان.
فقام رجال من بني هاشم إلى خداش، فضربوه، وقالوا: قتلت صاحبنا، فجمد, وأتاه أبو طالب، فقال له: اختر منا إحدى ثلاث: إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل؛ فإنك قتلت صاحبنا، وإن شئت حلف خمسون من قومك أنك لم تقتله، فإن أبيت قتلناك به.
فأتى قومه فقالوا: نحلف، فأتته امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم، قد ولدت له، فقالت: يا أبا طالب، أحب أن تجيز ابني هذا من اليمين وتعفو عنه برجل من الخمسين، ولا يصبره "تلزمه اليمين" حيث تصبر الأيمان. ففعل. فأتاه رجل منهم، فقال: يا أبا طالب، أردت خمسين رجلًا أن يحلفوا مكان مئة من الإبل يصيب كل رجل بعيران. هذان بعيران، فاقبلهما عني ولا تصبر يميني حيث تصبر الأيمان، فقبلهما. وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا ، فما حال الحول ومن الثمانية والأربعين عين تطرف !!!.
انظر : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام / فتح الباري شرح صحيح البخاري / المجتبى من السنن .