أيمن الطيب وسام التميز
موبايل : 0110820333 عدد المساهمات : 683 نقاط : 1010
| موضوع: سر القوة 13/04/10, 12:02 am | |
| [center] سر القـــــوة عندما توجه الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان إلى حجِّ بيت الله الحرام ، مصطحبا معه أسرته وحاشيته وكبار رجال الدولة، نزل أولا بالمدينة المنورة ومكث فيها أياما. وكان الحكام في ذلك الزمان يحرصون على حضور بعض مجالس العلم ليتفقهوا في دينهم ولينتشلوا أنفسهم ولو قليلا من غمرات الترف وأبهة العيش. وكانت مثل تلك المجالس في مواسم الحج أكثر حدوثا بطبيعة الحال. وعندما وصل أمير المؤمنين إلى المدينة المنورة توجه أولا إلى الحرم النبوي المبارك وصلى فيه ركعتين وتشرف بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانبهر من كثرة حلق العلم في المسجد. ويبدو أن هذه الميزة قد استمرت عبر القرون الطويلة، فزائر المدينة المنورة الآن سيلحظ كثرة حلق العلم والذكر بالمسجد النبوي الشريف وسيرى إقبال المصلين عليها، ولو قدر لك أن تمكث بالمسجد يوما بطوله فستعجب من كثرة هذه الحلق وانتشارها بين جنبات المسجد، وستعجب أكثر من غلبة الشباب على هذه الحلقات. وهذه هي رسالة المسجد الأصلية، أن يكون منارة للدعوة والتعليم لا أن يكون فقط للصلوات ثم يغلق بالضبة والمفتاح. لقد كان المسجد النبوي – على بساطته الشديدة – في عصر النبوة وبعده مصدرا للنور والهدى، إلى كافة أنحاء الأرض. وإنك تستطيع بسهولة أن تعرف قدر تقدم الأمة أو انحطاطها بدور المسجد فيها. وأثناء إقامة عبد الملك بن مروان في المدينة، لم يستطع يوما أن ينام القيلولة بعد الظهر، فأرسل إلى حاجبه "ميسرة" وقال له: - امضِ إلى مسجد رسول الله ، وادعُ لنا واحدا من حداثي ليحدَّثنا ويذكرنا بالله. انطلق ميسرة إلى المسجد النبوي فلم ير وقتها إلا حلقة واحدة في المسجد يحدث فيها شيخ كبير السن، فوقف إلى جوار الحلقة وأشار للشيخ بأصبعه ليأتيه، لكن الشيخ أشاح عنه ولم يلتفت إليه. انزعج الحاجب واقترب من الشيخ وقال له على مسمع ممن يحضرون درسه: - ألم ترَ أني أشير إليك ؟ ـ قال الشيخ: إليّ أنا ؟ ـ قال : نعم . ـ قال : وما حاجتك ؟ ـ قال : أرسلني أمير المؤمنين ، وقال : امضِ إلى المسجد ، وانظر هل ترى أحدًا من حُدَّاثي فأتني به . ـ فقال له الشيخ : ما أنا من حدّاثه . ـ فقال ميسرة : ولكنه يبغي محدثاً يحدّثه . ـ فقال الشيخ ببساطة شديدة: إنَّ من يبغي شيئاً يأتي إليه. أسقط في يد الحاجب ميسرة، ورجع إلى سيده وقص عليه ما حدث، وقال: وجدت حلقة واحدة في المسجد فأشرت لشيخها فلم يقم، فاقتربت منه وأخبرته أن أمير المؤمنين أرسلني لآتيه بواحد من حداثه، فرفض وقال لي في هدوء وحزم: إنني لست من حدّاثه ، وإن في حلقة المسجد متسعاً إذا كان راغباً في الحديث. (ولا نعرف إن كان ميسرة قد زاد على كلام الشيخ شيئا من عنده، لأن خدام السلطة عادة ما تكون عندهم مشاعر الغرور والفوقية والكبر). تنهد عبد الملك بن مروان ، وهبَّ قائماً ، واتجه إلى داخل قصره ، وهو يقول: ذلك سعيد بن المسيب (عرفه من عزته وكرامته ومواقفه السابقة) وقال لحاجبه: ليتك لم تأته ، ولم تكلمه. سعيد بن المسيب أحد أئمة التابعين البارزين، وكان إماما في العلم والورع والعبادة والزهد. لكن ما سر هذه القوة التي تكلم بها سعيد بن المسيب؟ لقد كان عبد الملك بن مروان وقتها في أوج قوته وسلطانه وكانت الدولة الأموية وقتها في أزهى عصور التقدم والاستقرار، وكانت العلاقة مع سعيد بن المسيب فيها قدر كبير من الحساسية والتعقيد نظرا لمعارضته المتكررة لبعض مواقف الخليفة، ولكن الموقف ازداد حرجا بعد رفض سعيد لطلب أمير المؤمنين بأن يزوج ابنته لابنه وولي عهده الوليد بن عبد الملك، وهو الرفض الذي أصبح حديث المدينة وسارت به الركبان إلى نواحي دولة الإسلام وقتها. وقد ازداد الأمر تعقيدا بعد ذلك عندما قام سعيد بعرض ابنته وتزويجها لأحد تلامذته واسمه كثير بن أبي وداعة، وكان رجلا بسيطا فقيرا قد توفيت زوجته. ولا شك أن هذا الزواج مَثل إهانة – على أقل تقدير – لأمير المؤمنين، أن يُرفض طلبه ويقدم سعيد رجلا من فقراء المسلمين على ابن أمير المؤمنين. مرارة هذه الطعنة الشخصية لم ينسها عبد الملك ولا ابنه الوليد بعد ذلك. والشاهد أن هذه الملابسات كأنها لم تكن وكأنها لم ترد على بال سعيد حين رفض الآن دعوة الخليفة (لزيارته وعظته وتذكرته). ما سر هذه القوة؟ إن أحدا لا يستطيع أن يتمتع بهذه القوة دون أن تكون له علاقة وثيقة بالله تبارك وتعالى. هذا فقط الذي يُشعر الإنسان بهذه القوة وهذه المنعة. وهذه العلاقة بدورها تتطلب استقامة على طاعة الله. إنسان له علاقة قوية بالوزير، فلا يخاف أي مدير عام في تلك الوزراة، وإنسان له علاقة وثيقة بالرئيس لا يخاف من أي وزير. ولله تعالى المثل الأعلى، فالخوف والاضطراب الذي ينتاب أي منا يزداد ويترسخ كلما ضعفت علاقتنا بالله تبارك وتعالى. هذه معادلة لا تختل أبدا. إن لسعيد بن المسيب علما واسعا كالبحر، وله كلمات تستحق أن تكتب بماء الذهب في قوتها وحكمتها، ولكنني كنت أنظر في بعض كلماته التي لها علاقة بمواقفه العملية في حياة الناس، والتي تع** هذه القوة الداخلية التي كان يشعر بها وتبدو منسابة بسهولة في كلماته في ظروف بالغة التعقيد والحساسية. وقد وجدت من كلماته العميقة بعض مفاتيح أسرار هذه القوة، وهي ليست مجرد كلمات أنيقة وإنما كان وراءها صدق ظهر في حياته، كان رحمه الله يقول: - لا تملئوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بالإنكار من قلوبكم لكيلا تحبط أعمالكم. - وعن المطلب بن السائب قال كنت جالسا مع سعيد بن المسيب بالسوق فمر بريد لبنى مروان فقال له سعيد: من رسل بنى مروان أنت؟ قال نعم قال فكيف تركتهم؟ قال بخير قال تركتهم يجيعون الناس ويشبعون الكلاب؟ قال فاشرأب الرسول فقمت إليه فلم أزل أرجيه حتى انطلق ثم قلت لسعيد يغفر الله لك تشيط بدمك بالكلمة هكذا تلقيها قال اسكت يا أحمق فوالله لا يسلمني الله ما أخذت بحقوقه. - ما أكرمت العباد أنفسها بمثل طاعة الله عز وجل، ولا أهانت أنفسها بمثل معصية الله، وكفى بالمؤمن نصرة من الله أن يرى عدوه يعمل بمعصية الله. - يد الله فوق عباده فمن رفع نفسه وضعه الله، ومن وضعها رفعه الله. - الناس تحت كنف الله يعملون أعمالهم فإذا أراد الله فضيحة عبد أخرجه من تحت كنفه فبدت للناس عورته. - قد بلغت ثمانين سنة وما شيء أخوف عندي من فتنة النساء. - أن الدنيا نذلة، وهي إلى كل نذل أميل، وأنذل منها من أخذها بغير حقها، وطلبها بغير وجهها، ووضعها في غير سبيلها. - ودخل المطلب بن حنظب على سعيد بن المسيب في مرضه وهو مضطجع فسأله عن حديث، فقال: أقعدوني فأقعدوه، قال: إني أكره أن أحدث حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع - وعقد عبد الملك لابنيه الوليد وسليمان بالعهد وكتب بالبيعة لهما إلى الأمصار فبايعوا ورفض سعيد أن يبايع لهما وقال لا أبايع اثنين ما اختلف الليل والنهار فقيل له: ادخل واخرج من الباب الآخر (يعني كما نقول نحن الآن: كبر دماغك) فقال سعيد: إذن والله لا يقتدي بي أحد من الناس فضربه والي المدينة ستين سوطا وطاف به في تبان من شعر وسجنه فكتب إليه عبد الملك يلومه فيما صنع ويقول: سعيد ؟! كان والله أحوج أن تصل رحمه من أن تضربه. - يقطع الصلاة الفجور ويسترها التقوى. - من استغنى بالله افتقر الناس إليه. وكان سعيد كثيرا ما يردد في مجلسه: اللهم سلم سلم. [/center] | |
|